مرحباً يا عيد.. مرحباً أيها العزيز، الأثير، الغريب، فها أنت تزورنا زورة الغريب، تزورنا على عجل وعلى وجل، وكأنك خائف مذعور..!! وقد كنت في الزمن الجميل تحط رحالك، وتقيم بيننا ليالي، وأياماً، وكنا نستقبلك بالترحاب، نحتفي بك، بل كنا ننتظر على دروب الفرح، وطرقات المحبة.. كنا نستقبلك باللبس الجديد، بالفرحة التي تملأ مجامع القلب، ومنافذ الروح، كنا كلنا نرفع لك بيارق الترحيب.. الكبار يفرحون على طريقتهم، والصغار يفرحون على طريقتهم.. كان مجيئك موسم فرح، وغبطة، وابتهاج أما اليوم فقد تبدل كل شيء، وتحول كل شيء، نستقبلك اليوم بوجوه خاوية، وكأنما نستقبلك للمجاملة، وأداء الواجب، والذكرى فقط.. لأن أزاهير الفرح لم تعد تنبت في دواخلنا.. ولأن حقول وسنابل المحبة، أكلتها حرائق الزمن البئيس، ولأن ينابيع البهجة قد جفت، فلم يبق منها إلا الصخور، والأشواك.. لقد استذأب الحمى، وأوحشت الدروب.. والأرض الطيبة. تحولت إلى سباسيب، وسباريت وحقولاً من السباخ والملح.. لذا لم نعد نستقبلك أيها العيد، بالعطور، والرياحين، وأناشيد الأطفال.. وإنما بالدخان، ورائحة البارود، نستقبلك بالشظايا، ومسامير القنابل العنقودية.. نستقبلك باستغاثة الأرامل، وأنين الجرحى، وبكاء الثكالى، وعويل المفجوعين.. امتلأت سماؤنا العربية بالأغربة، وبأسراب النسور والحدأ الأسود، وأسراب طائرات الميج والهولي كثير ورؤوس الصواريخ وقذائف المدافع، وقذائف الأعلام الأسود، والنفاق الأسود، وطاف بنا طائف الظلام الثقيل..! فسامحنا أيها العيد إذ نسمعك مثل هذا الكلام الموجع المفجع، وربما المتشائم، الذي سوف يعكر مزاجك ويضيق به صدرك، ولكنها الحقيقة.. الحقيقة التي لا يمكن أن نخفيها عليك، لأنها أكبر منا، وأقوى منا ففي كثير من بقاع وطننا العربي هناك طبول حرب، ومزامير فتنة، هناك نعوش موتى، وحفارو قبور، لا يكفون عن الحفر والدفن.. ولقد اختلطت أمطار الرصاص، بأمطار الدموع، والدماء.. فلتغفر لنا أيها العيد، وتسامحنا على انشغالنا عنك، ولتسامحنا على جفائنا، وتقصيرنا، وعقوقنا بك.. ولكننا ورغماً عن ذلك، لا نزال احياء، لا نزال نتنفس، لا نزال نأمل، ونتفاءل.. وربما تأتي إلينا في موكب فرح لم نكن نتوقعه في حالة يأسنا هذه.. ففي لحظات القنوط، وإلا بلا.. قد يرى الناس بروق غيث يمطر الأرض بعد اجدابها وقحطها، فتهتز وتربو تنبت من كل زوج بهيج، ربما تأتي يوماً وقد أشرقت الشمس بنور ربها، فنستقبلك حينها بالزغاريد وأناشيد الأطفال، وندخلك متحف الضوء والنور، وبساتين القمر.