1 أعلنت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض منذ عدة أيام ترسية مشروع النقل العام في العاصمة على عدد من الشركات العالمية، مؤذنة ببدء دخول مدينة الرياض في مرحلة جديدة من الحداثة المدنية. فإضافة إلى الأثر الاقتصادي والبيئي الذي يشار إليه عادة عند الحديث عن النقل العام فإن الأثر الاجتماعي والسياسي على الحياة العامة لا يقل أهمية. فمنذ نهضة مدينة الرياض الحديثة نلحظ أن الطرق قد نالت الاهتمام الأكبر في المشروعات التطويرية تبعا لتأثير السيارة - وسيلة النقل الأولى في المملكة - ثم لحق بذلك الاهتمام بالتشجير والمساحات الخضراء والمناطق التاريخية والأثرية. وكان نتيجة لتوفر السيارة وانخفاض تكلفة الوقود أن امتدت الرياض في سنوات قليلة امتدادا أفقيا جعلها من أسرع المدن نموا في العالم. لكن من آثار تفرد السيارة لكونها وسيلة النقل المفضلة عند أغلب سكان المدينة أن ضعفت أو تلاشت ثقافة الرصيف. وثقافة الرصيف تمثل مجموعة من المفاهيم والنشاطات ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي ترسخت في حياة الناس العامة وأصبحت جزءًا من ذاكرتهم الثقافية. والذاكرة الثقافية لسكان مدينة الرياض، والمملكة عموما، تحتوي مساحة صغيرة وسطحية للرصيف. والأثر الذي صنعته السيارة نتيجة للاعتماد المطلق عليها أن أصبح الرصيف وسيلة للانتقال العمودي وليس الأفقي. فالسير أفقيا على الرصيف بمحاذات الشارع في مدينة الرياض أقرب إلى ممارسة رياضة قفر الحواجز منه إلى أي شيء آخر، نظرا لكثرة ما يعترض الماشي من معوقات: أشجار، حاويات قمامة، درج ممتد بشكل عمودي باتجاه الشارع يعترض الرصيف بشكل فج. إلا إن الذي ينتقل من نقطة إلى أخرى باستخدام السيارة من دون الحاجة إلى الرصيف قلما يلحظ حالة الرصيف الأفقية كونه يستخدم الرصيف بشكل عمودي، الذي ينحصر في ذلك الجزء من الرصيف الذي يؤدي إلى مرفق تجاري أو مرفق خدمي. لذلك نجد إن نسبة كبيرة من الأرصفة في مدينة الرياض غير ميسرة لاستخدام المشاة، فهي توظف غالبا كعتبة للدخول والخروج من المرافق، أو تستخدم مصدات لحمايتها من المركبات على الطريق السريع. لكن ما الأثر الذي يمكن أن نتلمسه من كسر دكتاتورية السيارة عندما نقدم لسكان المدينة بديلا كالقطار والحافلة؟ فمثلا، من آثار الاعتماد على السيارة ظهور لوحات المرافق بارزة بحيث يراها راكب السيارة ولا يراها السائر على الرصيف. فنظام التصميم الحضري، هكذا، يكون موجهاً لخدمة السيارة. لكن مع ظهور وسائل أخرى منافسة للسيارة فإن مظاهر هذا النظام الحضري القديم لابد أن تتفكك. ومصدر هذا التغيير يأتي من مستخدم وسائل النقل العام، الذي سيكون محتاجا أكثر إلى خدمة الرصيف ممن يستخدم السيارة. فالذي ينوي استخدام الحافلة يحتاج إلى الانتظار عند محطة أو نقطة تجمع، والانتقال إلى هذه المحطة قد يتطلب السير على الأقدام مسافة تطول أو تقصر، ما سينتج عنه زيادة الاعتماد على الأرصفة. بذلك تتكون علاقة طردية بين عدد المستخدمين للنقل العام والرصيف، فكلما زاد عدد المستخدمين للنقل العام زاد الطلب على جودة الرصيف، من خلال زيادة عرضه ليستوعب عددا أكبر من السائرين وزيادة الخدمات التي يتطلبها المجتمع على الرصيف: أكشاك لبيع الوجبات السريعة، منصات للخدمات الالكترونية، باعة متجولون، الخ. الرصيف أهم عضو في جسد المدينة، هكذا وصفت الرصيف جين جيكوبز، صاحبة كتاب موت وحياة مدن أمريكا الكبرى. ومع قدوم النقل العام إلى مدينة الرياض، لا أجد هذا العضو المهم من جسد المدينة في صحة جيدة. فنبضه ضعيف ولا يكاد يسمع. وحياة مدينة الرياض تعتمد على حيوية أرصفته التي تمتد كالشرايين النابضة، حيث تمتد أرصفة المدينة متصلة بعضها ببعض لا تقطعها حاوية للنفايات، أو مولد كهربائي، أو شجرة زينة. فالنقل العام يبدأ من الرصيف وينتهي إليه. 2 توجد علاقة طردية بين عرض الرصيف واحترام الإنسان. 3 على الرصيف تمشي لغة المدينة حافية، فإن تجرحت نزفت المدينة كلها. 4 نخيل الرياض وحيدة على الأرصفة من قلة العابرين، ورغم السحب اليابسة والمركبات الخاطفة التي تمر كل يوم، لا يلوح لها سوى الأطفال والعصافير الصغيرة.