كانت التجربة التركية أول وهلة آسرةً لتيارات الإسلام السياسي، ذلك أنهم وجدوا فيها العزاء بقدرتهم على الإدارة في حال اقتدوا بها. الإخوان بمصر استعاروا عبارات وشعارات من التجربة التركية، لكنهم عجزوا عن أن يديروا البلد، لتصح عليهم فكرة أن التيارات الإسلامية لا تستطيع أن تحكم، ولكنها تستطيع أن تعارض. المعارضات الإسلامية، تنجح فقط في التجييش، لكنها متى وصلت إلى الحكم تفشل في الإدارة.. والسودان، ثم تجربة الإخوان بمصر خير تأكيد لذلك. تجربة الإسلاميين بتركيا لم تتم أصلاً، لولا تجاوزهم لكثير من مبادئ الحركات الإسلامية. يُجبر نظام الحكم بتركيا، أي رئيس، على أن يُقسم على حماية العلمانية، وحزب العدالة والتنمية التركي، كان ضمن هذا السياق. هناك نظام يحكم الإسلاميين بتركيا رغماً عنهم، رضوا أم أبوا، كما أن الحزب التركي الحاكم خانع وخاضع لنظم الاقتصاد الرأسمالية، ولديه اتفاقيات دولية ومحاط بأوروبا التي تجبره على التأثر بها وبأنماط عيشها. الأحداث التركية الأخيرة، بينت العوار الذي يعاني منه الحزب الإسلامي الحاكم بتركيا، ذلك أنه هو الذي شجّع الثورات العربية، ودعمها بكل ما أوتي من قوة، لكن حين جاءت إليه التحركات، بدأ يستخدم نفس منطق القذافي والأسد، من أن هذه التحركات لها أيادٍ خفية ومدعومة من قوى إقليمية. لم يكن أردوغان مطّراداً في مواقفه السياسية، فهو مع الثورات إن سلِم كرسيه، ومع التغييرات السياسية ما دامت بعيدةً عنه. كما أن أردوغان الذي درس الخطابة وبرع فيها تسمعه وهو يخطب وكأنه يستحث الناس على اتباعه بالقوة وبالصوت المرتفع، ومن ليس معه فهو خائن مدعوم من قوى أجنبية! وقد وصل به حد التدخل في شؤون الناس، وممارسة العمل الوعظي لا السياسي، إلى أن نصح الشعب بعدم استخدام بطاقات الائتمان، أو "الكردت كارد"! الانشقاقات في فكر أتباع الإسلام السياسي جعلت من طارق رمضان وهو منظّر في الإسلام السياسي وحفيد حسن البنا ينتقد التجربة التركية، وينتقد تجربة الإخوان بمصر، وقد لخّص تصريحاته ونقلها السيد ولد أباه، يقول رمضان: "إن الإخوان فشلوا في السلطة وفقدوا مصداقيتهم؛ لأنهم لم يفعلوا شيئاً. الإسلاميون اليوم مزيج من الجمود الفكري والتوجه الرأسمالي، كما أن الاحتفاء بالنموذج التركي خطأ؛ لأنه يعني ببساطة أن يصبح الإسلام في خدمة العولمة الرأسمالية الجشعة". بآخر السطر، بين اسمين من أهل الإسلام السياسي رمضان وأردوغان، تختلف المشروعات والرؤى وإن كان الهدف هو الحكم، لكن من دون اقتصاد رأسمالي كيف ستكون تركيا؟ وكيف سيعيش طارق رمضان؟!