هناك مقولة للكاتب الروائي العظيم جابرييل جارثيا ماركيز خلاصتها أن الواقع تحدث فيه شطحات وغرائب لا تخطر لأيّ صاحب خيال مجنح، وأنه من المؤسف أنّ كثيراً من القراء يستنكرون علينا شطحاتنا في الروايات التي نكتبها، وماركيز واحد من رواد الواقعية السحرية التي يقال انّ مبدعها هو بورخيس، ولكنني أعتقد أنّ مبدعها هو كافكا وقد أهداني الأستاذ عبدالله عبدالجبار عام 54 من القرن الماضي روايته «التحول» وفيها يتحول إنسان إلى كائن مثل الصرصار، وقد كتب كافكا روايات لا تقل عنها غرابة مثل المحاكمة والقلعة وكتب روايات لم تكتمل ومع ذلك لم يصدف عنها القراء، وكانت حياته وواقعه لا يقل غرابة عن رواياته، وعندما أدركه الموت في سن مبكرة أعطى جميع ما كتبه لأحد أصدقائه ما اكتمل وما لم يكتمل منه وأوصاه بحرقها، ولكن هذا الصديق لحسن حظّ الإنسانية لم ينفذ الوصية، ويقال إنّ أبا حيان التوحيدي الذي سبق كافكا وكان أيضاً صاحب خيال مجنح أوشك أن يحرق كتبه يأساً بعد أن تجاهله معاصروه، ولم يعرف أحد سوى النزر اليسير من حياته، على أن المبدع الأول هو شهرزاد الذي قال الكاتب الياباني موراكامي إنّ شخصيات حكاياتها أكثر مصداقية من الشخصيات التي تتخبط في الواقع الحقيقي، وأنا أقرأ له هذه الأيام رواية أحد أبطالها فقد ذاكرته إثر حادث وفقد قدرته على القراءة، ولكنه أصبح يتكلم مع القطط ويتحدث بلغتها، وقد قلت في نفسي إنّ موراكامي زودها هذه المرة، ولكنني قرأت اليوم خبراً عن أمريكي فقد ذاكرته إثر حادث ولم يعد يتكلم باللغة الإنجليزية وهي لغته الأصلية وبدلاً من ذلك أصبح يتكلم بالسويدية التي لم يكن يعرفها، ألم أقل إنّ شطحات الواقع أغرب من الخيال المجنح، ثمّ هل ما يحدث في سوريا ومصر والعراق يمكن أن يكون قد خطر لدى صاحب أيّ خيال مجنح؟