هزة كبيرة أصابت المنطقة العربية منذ عامين وما زالت ارتجاجاتها مستمرة، ولن تتوقف إلا عندما تكتمل دائرة التحولات السياسية في المنطقة، تلك التحولات التي وضعت محددات خفيفة لمسار اتجاه التحول العنيف، فمع أول ضربة للأرجل على الأرض تزول تلك المحددات والموانع، وبعدها يتم البحث عن محدد جديد أو مراهق عنيد ليقود الثورة الجديدة. فلا أحد يستطيع وسط هذه الاهتزازات أن يثبت في مكانه، فالأرض تمور ومن عليها يهتز، مفارقة تتحدث باسم التاريخ حتى لو لم تكن تاريخية، فأصبحنا أمام ما يسمى اللهو السياسي، فما يُقرأ من سياسة الغرب يمكن تسميته بعملية «الإلهاء» فقد تم ضياع الشرعية وتجزئتها، والشعب العربي منقسم إلى جزأين، وكل جزء له شرعيته التي تنفي شرعية الجزء الآخر، وهذا الغرب مع الشرعيتين اللتين لا يمكن جمعهما في شرعية واحدة، وبهذا تزيد الهزات من ضربها، ويستمر الضياع، ويستمر كل جزء في البحث عن الشرعية الخاصة به، فجمع الشرعية بجزء واحد استمرار للعنف والتصفيات، وتجزئتها يعد تقسيماً لهوية الوطن العربي إلى هويتين. وكأن هذا الغرب يريد أن يصنع فوضاه البناءة، على أنقاض الشرعية المفقودة. أختلف مع الإخوان بشدة، وأرى وجودهم في السياسة في هذه المرحلة هو خسارة للسياسة، ولكن الخسارة الأكبر هي غيابهم عن المشهد تماما، فمن يحرص على استقرار المنطقة يجب أن يقر بشرعية وجود الإخوان، كما يجب على جماعة الإخوان أن لا تبحث عن شرعيتها المفقودة في البيت الأبيض، والتجربة الحية المصرية التي أمامنا بها من سرديات اللهو السياسي الشيء الكثير، فحكاية مصر اليوم بها مصير العرب في المستقبل، ففي ميدان رابعة العدوية جزء من العالم العربي، وفي ميدان التحرير الجزء الآخر، المواطن العربي لم يشاهد اليوم في اختلاف الميدانين شأنا مصريا داخليا، ولكنه يشاهد مصيره الذي لا يعرف أين يستقر. على الإخوان أن يعترفوا بفشلهم السياسي ويعترفوا بفشل تحالفاتهم، ويعودوا للحياة السياسية بأدوات السياسة وليس بأدوات الأيدولوجيا والتحالفات الخارجية، ويستفيدوا من تجربة الفشل، ويتعرفوا على عروبتهم أكثر، فلا أنقرة ولا طهران ولا واشنطن استطاعت أن تضمن لهم البقاء دورة حكم كاملة. فالكل في حالة اهتزاز، ولن يثبت إلا بتوقف دورة ثورة الشعب على الشعب..