ها قد أطل علينا شهر انتظرناه وينتظره جميع المسلمين بشوق ولهفة، شهر القرآن كما قال عنه جل وعلى في كتابه العزيز (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للنّاس وبيّنات من الهدى والفرقان) وفيه فرض الله على عباده المسلمين الصيام فقال تعالى (يا أيّها الذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون) إلى قوله تعالى (فمن شهد منكم الشّهر فليصمه) فلذلك كان نهاره صياما وليله صلاة وقياما، وقد أخبرنا المولى عز وجل عن فضل الصّيام وجزائه، ففي الحديث القدسي قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم" كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلاّ الصّوم، فإنّه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي". وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم فضل الصيام والقيام في شهر رمضان في أحاديث كثيرة، منها قوله عليه الصلاة والسلام (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه) وفي الحديث الآخر قوله عليه الصلاة والسلام(أتاني جبريل فقال: يا محمد، رغم أنف عبد أدرك رمضان فلم يغفر له، قل آمين، قال فقلت آمين)، وفي فضل قيامه، نجد أن فيه ليلة تعدل في فضلها وفضل قيامها ألف شهر كما أخبرنا بذلك ربنا جل وعلى في سورة القدر في قوله تعالى (إنّا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر) وقد قال عليه الصلاة والسّلام في فضلها" إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، فمن حرمها فقد حرم الخير كلّه "، وفي الحديث أيضاً" من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، فما أحوجنا لهذا الفضل العظيم والكرم الكبير من ربنا جل وعلا، ومن الفضائل التي أكرمنا الله بها في هذا الشهر المبارك، أن لله عتقاء من النار في كل ليلة من لياليه الفضيلة، كما أخبرنا بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي، قال عليه الصلاة والسلام" إذا كان أول ليلة من رمضان، صفّدت الشياطين ومردة الجن وغلّقت أبواب النّار فلم يفتح منها باب، وفتّحت أبواب الجنّة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشّر أقصر، ولله عتقاء من النّار، وذلك كل ليلة" فياله من فضل عظيم وأجر كبير، فهو شهر تطهير النّفوس من الآثام ومن الذنوب والمعاصي، ويحفظها بل ويبعدها عن الشهوات وعن الزلاّت، فالصيام لم يفرض لحبس النّفس عن الأكل والشرب فقط، بل لتهذيبها وتعويدها على حسن الأخلاق والبعد عن فحش الكلام وسوء الأخلاق، لذلك ينبغي على الصائم البعد عن كل ما نهى عنه الشرع المطهر من الرّفث والفسوق والجدال وأن يكون الصيام رادعاً له عن كل ذلك، ومعيناً له على حسن الخلق، كما بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث فقال" إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، وإن سابّه أحد أو قاتله، فليقل إنّي صائم"، وكما قال جابر: إذا صمت، فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع عنك أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار يوم صومك، كما ينبغي على الصائم أيضاً عدم الإفراط في الأكل والشّرب، وكثرة السّهر بالليل والانشغال عن الطاعات، وكثرة النوم في النّهار وتفويت الصلوات المكتوبة، بل يجب الحرص على عملية التوازن فيما بين النوم والسهر، وأن يأخذ كفايته مما يساعده على أداء العبادات على أكمل وجه، وأن يحرص أيضاً على الالتزام بالسّنة النبوية المطهّرة في مسألة تأخير السّحور، وتعجيل الفطور كما أوصانا بذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "لا تزال أمتي بخير ما أخّروا السّحور وعجلوا الفطر" وكذلك لا ننسى العبادات الأخرى من قراءة للقرآن الكريم، والإحسان للفقراء والمساكين والمعوزين، والصدقة وغيرها من الطاعات والعبادات التي يجب الزيادة منها وذلك لنيل شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه. في الختام، أسأل المولى القدير أن يعيننا على الصيام والقيام وسائر العبادات والطاعات، وأن يتقبل منا أعمالنا ويجعلها خالصةً لوجهه الكريم وأن يعتقنا من النّار، وكل عام وأنتم والأمة الإسلامية بخير وصحة وتقدم.