قالها الملك وولي عهده، في كلمة تهنئتهما بهذا الشهر الكريم. الحزبية التي تنخر في جسد العالم العربي وتعيث فساداً بالمنطقة أصبحت خطراً محدقاً. في أزمان الأزمات تستشري ظاهرة التهييج من قبل بعض الطامحين سياسياً من أحزابٍ أيديولوجية تتمنى أن تهتزّ حكوماتهم وتتغيّر، وتتأثر بالأحداث الحاصلة إقليمياً، ومع كل حدثٍ صغير يجري في السعودية أو الخليج كانت ترتفع تلك الأصوات التي تتشفّى من الأنظمة السياسية محاولةً إثبات قوة الحزب والجماعة وخطورتها. الحالة المصرية بالذات كشفت لنا عن حزبيّات كبيرة في السعودية والخليج، وعن إخوانيين صُرحاء يوالون جماعة الإخوان ولهم بأعناقهم بيعة للمرشد لكنهم لا يرعون بيعتهم لدولتهم وحُكّامهم. الانتماء الأيديولوجي الضيّق أبانت عنه الأحداث الأخيرة، ولعل الحدث المصري الحالي أكبر الأحداث التي كشفت عن سوءات جماعة الإخوان المسلمين وكوارثها. ويا للعجب أن يكون ابن السعودية والخليج الذي أوتي من كل الثمرات والخيرات تابعاً صغيراً لجماعة مُسيئة خطيرة تُخطط لقلب أنظمة الحكم مثل جماعة الإخوان! لنقف مع نص كلمة الملك وولي عهده والتي جاء فيها: «والمملكة بذلك تعلن بأنها لن تقبل إطلاقاً وفي أي حال من الأحوال أن يخرج أحد في بلادنا ممتطياً أو منتمياً لأحزاب ما أنزل الله بها من سلطان، لا تقود إلا للنزاع والفشل مصداقاً لقوله سبحانه (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)». الأحزاب التي تدّعي أنها تخدم الدين أثبتت خطرها في الإمارات بخلايا الإخوان العنيفة التي حاولت أن تستهدف أمن الدولة الإماراتية الشقيقة، قل ذلك عن الخليج عموماً. فلا ننسى الكشف عن الخلية الإرهابية التي كانت تستهدف الإمارات والسعودية كأكبر أثر لهذه التيارات الحركية في الخليج؛ مخططات غريبة عجيبة ضد مصالح السعودية وضد مصالح الإمارات. التعاون الأمني السعودي والإماراتي كشف القناع عن مخططات هذه الجماعة. كذلك لا ننسى كيف وقف الإخوان مع صدام حسين بغزو الكويت، وألا نتذكر أن الجماعة وقفت مع التمرد البحريني ضد النظام الشرعي المبايع، ألا نتذكر أن جماعة الإخوان وقفت ضد الخليج في كل معاركه وحروبه وإرادته للاستقلال بعيداً عن التدخلات الخارجية أو التبعيّات الزائفة، الإخوان كانت السعودية والخليج دائماً معهم لكنهم لم يكونوا أبداً مع الخليج! تجتمع جميع حركات الإسلام السياسي في الخليج على إنكار مشروعية الأنظمة وعلى الرغبة في إسقاط الأنظمة، ولو رجعنا إلى محاضراتهم وأنشطتهم وإلى التسجيلات والتغريدات والكتابات لرموزهم لرأينا كيف كانوا ينفون الشرعية للأنظمة أو يعملون على تشكيك المجتمع والناس في شرعيتها، ويعملون ليل نهار على بث الفتنة والتحريض والتأجيج ضد حكامهم وأمن وطنهم ومهاجمة كل من لا يوافقهم أو يتصدّى لهم. لم يكن الحزبي والإخوانيّ في السعودية ينتمي بصراحة إلى هذا التنظيم، كانوا يتذرعون بالانتماء للسرورية تارة، وللتنوير الإسلامي تارة أخرى، لكن ثورات ماسُمّي بالربيع العربي زوراً مَحّضَت هذه التيارات والتحزّبات وفرزتهم. بدأ الإخوان يتكتّلون مع بعضهم البعض، وبدأ يدافع إخواني السعودية عن جماعته الأم في مصر علانية ويهاجم كل من لا ينتمي لها أو يحاول كشف مخططاتها. فانكشف التعاون المادي والسياسي تبعاً للاشتراك الفكري، صاروا يتقوون ببعضهم البعض، يهبون لنصرة بعضهم والنجدة لبعضهم. انكشفوا بأن البيعة ليست لبلادهم وإنما للخارج، ولا يستطيعون أن يخلصوا للبيعتين. سعدتُ كثيراً بالعودة إلى قراءة لقاء الأمير الراحل الحكيم نايف بن عبد العزيز مع صحيفة «السياسة» الكويتية وإلى جميع ما كنّا نكتبه ونحذّر منه حين قال عن الإخوان:» من دون تردد أقولها إن مشكلاتنا وإفرازاتنا كلها جاءت من الإخوان المسلمين»، وأضاف: «بحكم مسؤوليتي أقول إن الإخوان لما اشتدت عليهم الأمور، وعلقت لهم المشانق في دولهم، لجؤوا إلى المملكة فتحملتهم وصانتهم، وحفظت حياتهم بعد الله، وحفظت كرامتهم ومحارمهم وجعلتهم آمنين، وإخواننا في الدول العربية الأخرى قبلوا بهذا الوضع، وقالوا إنه لا يجب أن يتحركوا من المملكة، لكن بعد بقائهم سنوات بين ظهرانينا، وجدنا أنهم يطلبون العمل، فأوجدنا لهم السبل، ففيهم مدرسون وعمداء، فتحنا أمامهم أبواب المدارس والجامعات، لكن للأسف لم ينسوا ارتباطاتهم السابقة، فأخذوا يجندّون الناس، وينشئون التيارات، وأصبحوا ضد المملكة». هذه هي الحقيقة فمن يتدبّر؟ ومن يتأمّل! وهاهي كلمة الملك وولي عهده.. تحمل من الرسائل والضوء الأخضر لكل من يعنيه الأمر في كل من يُفكّر بتجاوز الخط الأحمر «أمن هذا الوطن».