في احدى جلساتنا الحميمة التي يحلو فيها البوح الشفيف والمكاشفة العفوية، والحوار الهادئ البناء، الذي يصل الى هدفه دون مواربة او التواء، جمعتني هذه الجلسة المميزة مع رجل الاعمال.. الشيخ عبدالعزيز بن حمد آل جعد فكان الحوار بعيداً عن الاعمال وتجارة العقار، كان الحوار في اطار الآثار! الآثار التي لها مكانة خاصة، لانها تتعلق بأماكن ومشاهد قديمة لها اهميتها، الآثار التي خلفها آباؤنا واجدادنا بصبرهم وجهدهم وتعبهم ومواظبتهم الدؤوب، الآثار التي هي المصدر التاريخي والحضاري للاجيال الواعدة، ومن خلال هذا الحوار اكتشفت ان الشيخ عبدالعزيز بن حمد آل جعد، رجل على نظرة عميقة واحساس وطني عميق، والحوار الهادئ يكشف اشياء كثيرة، ولقد تلمست غيرته واريحيته، وحرصه الوطني على كل ذرة تراب من هذه الأرض المباركة، وهو حريص الحرص كله علي أن نولي الآثار اهتمامنا وعنايتنا، لانها تحوي تاريخاً، وتجسد ماضياً، ولأنها تحيي مواقف وتشير الى وقائع وتعيد الى الذاكرة احداثاً ومشاهد، ونحن اليوم في امس الحاجة الى ان نعين ابناءنا على فهم التاريخ، ووعي احداثه وايامه من اجل ان يثب وثبته الجريئة الى قلب الحاضر وان يستشرف المستقبل الواعد بقلب ثابت وارادة قوية. وايمان راسخ.. لقد كان الطرح الذي سمعته ينم عن ادراك حقيقي لقيمة الآثار - والاعتزاز بها، فهي الينابيع الثرة، والجذور المتينة التي تشد اليها الأفئدة المؤمنة والنفوس المخلصة، ولقد احببت ان اوجه من اجواء هذا الحوار الممتع رسالة عاجلة الى الهيئة العليا للسياحة في بلدنا، رسالة محبة واقتراح. - لماذا لا يكون هناك مرجعية في الهيئة العليا للسياحة، مرجعية لها خصوصيتها وحضورها ودورها الفاعل في حماية الأرض وما عليها من لقى وآثار ان وجدت! لماذا لا توجد هذه المرجعية في زمن كثر فيه الراغبون في تجارة الأراضي واستثمارها؟ هناك اناس يشترون قطعاً هنا ومساحات هناك، يريدون الاستثمار ويسعون الى تحقيق الربح والفائدة. ورجال الاعمال العقاريون يدركون ذلك ويعملون جاهدين في مجال تخطيط الأرض والاعلان عنها للمساهمة، واذا بهم يفاجأون بأن هذه المساحة من الأرض او تلك هي موقع اثري او هي ما يدخل ضمن الدائرة الاثرية فيتوقف المشروع، وتتعطل المساهمة، او تؤجل الى موعد غير مسمى. وهنا الطامة الكبرى، ولو وجدت المرجعية الحقيقية في الهيئة العليا للسياحة لما حدث مثل هذا الامر!!. ان الآثار التاريخية نادرة وهي لا تقدر بثمن ولا تباع بمال. والهيئة العليا للسياحة تدرك ذلك، وتعمل جاهدة للحفاظ عليها والاهتمام بها لذلك لابد ان تتميز مرجعيتها بالدقة والوضوح اسوة بسائر مرافق المؤسسات الحكومية والرسمية، لابد ان تكون المرجعية على اطلاع واسع وفهم اكيد، قبل ان يتورط المستثمرون او توضع مخططات الأراضي بين ايدي العقاريين ورجال الاعمال، وكم من امور تعطلت، وأراض استثمارية طرحت للمساهمة ثم توقفت او اجلت.. كم.. وكم.. ولو كانت المرجعية موجودة ما حصل ذلك على الاطلاق. ما مني مستثمر بالخيبة، ولا انقطع الامل بتاجر او رجل اعمال، فالمرجعية التي تضع يدها على الأراضي التي تدخل ضمن دائرة الآثار والاوابد تذيع ذلك، ولا يتورط احد، لان الامور تكون في نصابها، وكل شيء يأخذ مساره الصحيح. ان غيرتنا على التراث حقيقية ودليل عافية وحس وطني، وهذا الحوار فتح الابواب على مصراعيها، واوجد شجوناً وطموحات، والهيئة العليا للسياحة مشكورة دائمة على كل ما تقوم به، وهذه الرسالة المحبة، والاقتراح سيلقيان منها ترحيباً، ولست اشك في ذلك. والحوار الصريح يعلي دائماً من مكانة المخلصين العاملين الاوفياء لهذه الأرض الطيبة.