ما إن يتم الإعلان عن قدوم شهر رمضان المبارك إلا وترى الكثير من الناس- إلا من رحمه الله- في هجمة شرسة على الأسواق للبحث عما لذ وطاب من المآكل والمشارب المختلفة وكأنهم لم يعهدوا ذلك من قبل، بل إن الكثير من التجار يعمل على تصريف بضاعته التي قاربت على انتهاء صلاحيتها في بداية هذا الشهر الكريم وبأسعار مضاعفة استعدادا لاستقبال البضاعة الجديدة، فلماذا كل هذا الهلع والإقبال المبالغ فيه وكأن هذا الشهر الفضيل موسم للأكل والشرب فقط لا غير؟؟ نعم لقد فقد الكثير منا المزية الخاصة والحكمة البالغة من فريضة شهر الصيام فالحكمة من فريضة الصيام هي أنها:- عبادة يتقرب بها العبد إلى الله بترك حب ما جبل عليه من حب للطعام والشراب في أوقات معينة لينال بذلك رضا ربه والفوز بكرامته لإيثاره طاعة ربه على الخضوع لما أحب، كما أن الصيام سبب للتقوى إذا قام الصائم بواجب صيامه قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) فالصائم مأمور بتقوى الله عز وجل وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وذلك هو المقصود الأعظم بالصيام وليس المقصود بتعذيب الصائم بترك الأكل والشرب وغيره من المباحات، كما أن الصيام فرصة ليعرف الغني قدر نعمة الله عليه ويتذكر بذلك أخاه الفقير الذي لا يتيسر له الحصول على ذلك فيجود عليه بالصدقة والإحسان كما أنه فرصة ليتمرن الإنسان على ضبط نفسه وكبح جماح شهوته والسيطرة عليها حتى يتمكن من قيادتها لما فيه خيرها وسعادتها في الدنيا والآخرة كما انه فرصة للتقليل من الأكل والشرب وإراحة الجهاز الهضمي فترة معينة تعينه على التخلص من رواسب وفضلات الجسم الضارة بالجسم. نعم فشهر رمضان يعتبر خير معلم ومؤدب للنفس البشرية كما أنه خير معالج للإنسان من جميع أسقامه وعلله التي تتلاشى في خضم هذه الروحانية التي يزفها قدوم الشهر الفضيل فأجواء رمضان المفعمة بالروحانية والإيمان الصادق تدعو الجميع إلى الصدق والتسامح والبعد عن الكذب والخداع والنميمة كما تدعو الجميع إلى محاسبة النفس. إن بلوغ شهر رمضان نعمة كبرى ومنة عظمى لا يقدرها إلا من عرف قدرها ومن وفقه الله لفعل الخيرات فيجب على كل مسلم ومسلمة اغتنام هذه الفرصة العظيمة وهي قدوم هذا الشهر المبارك في تغيير ما يمكن تغييره وإصلاح ما يمكن إصلاحه بتهذيب النفس وتعويدها على فعل الطاعات والبعد عن المنهيات والمحرمات فالنفس سهلة الانقياد وخاصة في هذا الشهر الفضيل، والله الموفق.