ينتشر اقتصاد الظل (أي دخل شرعي أو غير شرعي لا يدخل فى حسابات الناتج المحلي الإجمالي) في البلدان المتقدمة والنامية على السواء وتقترح الخبرة الدولية أن هناك ارتباطا واضحا بين حجم اقتصاد الظل وعدد المدفوعات الإلكترونية التي تجري، حيث إن الدول التي تستخدم المدفوعات الالكترونية بشكل أوسع حدت من استخدام السيولة النقدية وحققت نجاحاً في خفض نسبة اقتصاد الظل، فعلى سبيل المثال استطاعت بريطانيا تقليص حجم اقتصاد الظل فيها بأكثر من بلد مثل بلغاريا يستخدم المدفوعات الإلكترونية في نطاق ضيق. وأوضح تقرير الأزمة الاقتصادية ألاوروبيه بأن الحكومات الأوربية تحفز على مكافحة اقتصاد الظل في محاولة لتوحيد ميزانياتها ودعم النمو الاقتصادي، حيث بلغ اقتصاد الظل 2.1 تريليون يورو أو 18.5% من إجمالي الاقتصاد الأوربي في 2013 ويمكن معالجة 10% أو 200 مليار يورو منه من خلال استخدام المدفوعات الإلكترونية. كما برهنت بعض الدراسات على وجود علاقة قوية بين اقتصاد الظل والدورات الاقتصادية التي ينتج عنها انحدار في معدل النمو الاقتصاد وتؤدي إلى رفع معدلات البطالة وتدني الدخل المتاح للفرد وخلق نوعاً من عدم اليقين مستقبلياً، الذي يوفر أرض خصبة لنمو اقتصاد الظل التي تحاول دول العالم محاربته. إن اقتصاد الظل لا يزال ظاهرة تقوم على أساس النقدية التي يحركها العمل غير المعلن أو عدم الإبلاغ عنه. فدعونا ننظر إلى مدى تفشي اقتصاد الظل في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث بلغ نسبة متوسط اقتصاد الظل من إجمالي الناتج المحلي خلال الفترة من 1999-2007 كالتالي: 18.7%، 18%، 19.4%، 26.9%، 20.9% في كل من السعوديه، قطر، عمان، الإمارات، البحرين، الكويت على التوالي. لاحظ أن أعلى نسبة توجد في الإمارات تليها الكويت، مما يشير إلى انتشاره بشكل واسع ونتوقع أن تأخذ تلك النسب اتجاها تصاعدياً لعدم اتخاذ أي إجراءات تحد من ذلك. وإذا ما اعتمدنا متوسط نسبة اقتصاد الظل في السعودية كجزء من إجمالي الناتج المحلي من 2008 الى 2012، فإننا نجد أن القيمة الحقيقية لحجم اقتصاد الظل نمت من 364 مليار ريال في 2008 الى 510 مليارات ريال في 2012 أي ما يقارب الخمس. وهذا الارتفاع ليس ناتجاً فقط عن ارتفاع نسبة اقتصاد الظل بل لارتفاع قيمة إجمالي الناتج المحلي في بلد حقق نمواً حقيقياً قدره 5.13% في 2012. إننا نتوقع أن تزداد خسارة الاقتصاد السعودي في السنوات القادمة نتيجة تلوث البيئة الاقتصادية بظاهرة اقتصاد الظل التي يعززها التشدد في أنظمة العمل وبعض القرارات الحكومية الحاسمة وانخفاض معدلات الدخول المتاحة. وعلينا ان نحذو كما حذت أيطاليا التي قررت في 2011 أن تكون المدفوعات الإلكترونية الزامية لأي مبلغ يزيد عن (1000) يورو، كما أضافت حوافز ضريبية للدفع الإلكتروني في نقاط البيع مع التهديد بإغلاق محلات التجزئة التي لا تصدر فواتير البيع. وقد أدركت مؤسسة النقد أهمية الحد من اقتصاد الظل وذلك بإصدار قواعد خدمات الدفع المسبق العام الماضي بهدف تقليل التعامل بالنقدية في قطاع التجزئة باستخدام المدفوعات الإلكترونية التي تعتبر خطوة إلى الأمام، لكنها نوهت أنه سيتم التركيز في المرحلة الأولى على البطاقات ذات الاستخدام المفتوح المقبولة في جميع أجهزة الصرف الآلي ونقاط البيع، وفي مرحلة لاحقة ستقدم الخدمة المقيدة التي تتيح استخدام البطاقات لدى جهة معينة خاصة أو عامة. لذا نطلب من المؤسسة أن تبقي تلك الخدمه مفتوحة بل عليها أن تقوم بعدة إجراءات منها تحفيز المستهلكين على استخدامها وتقييد حجم السحب النقدي اليومي في الصرافات إلى (1000) ريال وكذلك الحد من انتشار الصرافات حتى تدفع المستهلك إلى استخدام تلك البطاقات. إن تقليص حجم اقتصاد الظل يستدعي تكثيف المدفوعات الالكترونية وإجبار جميع محال التجزئه على استخدام الكاشيرات حتى محطات الوقود، فعسى أن نقلص 10% من حجمه.