مشكلة السياسة في العالم العربي أنها بسيطة جداً وهشة، ولا يوجد لها إطار تاريخي يمكّن الباحث من تعقب نموها، فبساطة السياسة العربية بأنها ليست سياسة بالمعنى الاصطلاحي لمفهوم السياسة: "فن إدارة المجتمعات الإنسانية" إلا ان تعريفها اللغوي ثابت ومستخدم تطبيقا: فيقال: "ساس الدابة أو الفرس: إذا قام على أمرها من العَلَف والسقي والترويض والتنظيف وغير ذلك." فلا سياسة في العالم العربي تذكر إلا بتطبيقها اللغوي، المهم في هذا التعريف هو الدابة التي تحتاج لمن يسوسها، فكل تاريخ الثورات العربية التي سبقت "الربيع" أو التي حملت شرف الاسم تحمل معنى الزعيم الذي يريد ان يسوس الشعب وفق إرادته " الشعب هو الدابة".. وإذا انقلب الشعب على الزعيم وصفه "بالدابة". وسط هذا الافلاس في الممارسة ضاعت حياة أمة، ومازالت تواصل رحلة ضياعها، وكأن الانسان العربي لا يصلح أن يبني وطنا ومواطنة، فلا يجتمع هذان المسميان إلا في كارثة وجود، فالوطن هو الزعيم، والمواطن هو المستجيب ذلاً لقهر الزعيم، ماذا يعني هذا الكلام، يعني إن الإنسان العربي لا وجود له يستدل به على وجوده إلا بوجوده البدائي قبلي أو فلاح، أو أي انتماء لا يفارق حالة ضياعه، قد تحتج على هذا القول بعض الشعوب العربية التي تسكن أرضا شيدت عليها حضارات قديمة مثل حضارة بابل في العراق أو الفراعنة في مصر، ولهم حق الاعتراض على تجاوز التاريخ لتلك الحضارات المهمة، وايضا الحق لكل معترض على تهميش حضارة الاسلام، إلا انه حق يجعلهم مقيدين في الماضي ويبحثون عمن يسوسهم في الحاضر.. هل الإشكالية في انتماء العرب لعروبتهم ؟ أم إشكالية العرب بتنكرهم لعروبتهم، العرب الذين نقصدهم هم عرب ما بعد الاستعمار أي منذ حقبة الخمسينات في القرن المنصرم الى زمن بشار الأسد، وبالعودة للإجابة على تساؤل الإشكالية، نجد أن أمة الضاد هم عرب بدون أن يكون لهم انتماء لعروبتهم، فنذكر اننا في هذا المقام نبحث عن معنى واضح للسياسة، فلو أخذنا ميثاق الجامعة العربية منذ تأسيسها لوجدناه يتضمن جيشا عربيا مشتركا، وسوقا عربية مشتركة، والكثير من المشتركات القومية، فقد كان العرب يحلمون ولا يعملون، وورثت اجيال العرب المتعاقبة ميثاق الحلم، فاتحدوا بمشتركاتهم حلما وحرروا قدسهم حلما، فكانوا مستمتعين بالحلم الذي يمثل هويتهم الحالمة، إلى أن جاء الربيع العربي وسرق منهم حلمهم. في بداية سرقة الحلم أو بداية الثورات العربية، تم تسمية حالة الثورة باليقظة أي اليقظة من الحلم، وبدأت سواعد الثوار ترفع رايات الانتصار على زيف الاحلام عاليا، اصحوا يا عرب وصحا العرب، لا حلم بعد اليوم، فالديمقراطية واقع والمواطنة انتماء ومسؤولية، وطال انتظار الايام حتى اصبحت اعواما، فنام الواقع على ألم وضياع، وعجز أمل الثورات أن يسترد الحلم المسروق من منامات الحالمين وحياتهم، فقد كان الثوار العرب اخوانا لا ينتمون إلا الى إخوانهم غير العرب !! فقد يكون الاخوان عرباً ولكن العروبة ليست إخواناً، فالربيع الذي سرق حلم العروبة من العرب، لا بد أن يكون ربيع دواب تبحث عمن يسوسها، لا ربيع تجمعات إنسانية تريد أن تقبض على غدها بسلام.. ومن فهم معنى السياسة عند العرب فليذهب به فورا الى الجامعة العربية فميثاقها عجز في المحافظة على الحلم.