(1) صباحٌ جديد.. يقفُ الفجرُ على أبوابنا كأمٍ تُمسك يدَ أطفالها لتوصلهم إلى أبوابِ مدارسهم، وتعود إلى بيتها وقد امتلأَتْ قلقاً عليهم؛ حتى تسمع جرسَ الخروج في أذنها يرنّ أنْ قد حانَ الانصراف فتعالَي. (2) على ضفاف ذلك الطريقِ المُمتدّ بينَ مدينتَين تولد الحكايا وتموتُ وتعودُ لتحيا من جديدٍ معَ كلّ صباح. ورغم هدوءِ الفجر إلا أنّ كلماتنا التي تتشكل كأحاديثِ مجلةٍ متنوعة: تارةً نعزف معزوفةً ضاحكةً تقتلها أخرى حزينةً وتارةً العكس. نطرحُ سؤالنا المعتاد؛ وعلى كلّ واحدةٍ أنْ تُجيب: "وش حلمك؟" ذلك السؤالُ الذي يُكالُ بمِكْيَالَي الجدّ والهزل حتى يصلَ بنا الحالُ في بعض الأحيانِ أنْ نفتحَ نوافذ السيارةِ ونُلقي بذورَ أحلامنا منها لعلها تُنبتُ ما نعجز عن تحقيقه. (3) وفي تلك المدينة، نصافح الطرقات، ونُهدي كلّ حيٍ فتاةً تتقلدُ ما تبقّى من أحلامها، طالبةً تتطلعُ للتخرّج أو موظفة ترجو النقل أو التثبيت، وأخرى قد تكون كلاهما لكنها تحملُ حلماً لم تجرؤ على إلقائهِ من النافذةِ لأنها مؤمنةٌ أنه سيتحقق يوماً ما رغم أنّ كلّ ما حولها يقول لها "ألقيه مع المُلقين". (4) توالت الأيام بل السنوات، والأيامُ تُمسك أيديهنّ ليَكْبُرْن، لتختبرهنّ أيّهُنّ أوفَتْ لحلمها، أيّهُنّ كانت الأصدق والأوثق من تحقيقه. أيّهُنّ قد أحسنت الظنّ بالله وأنهُ معها ولنْ يخذلها؟ (5) تقفُ العقبات دون الأحلام كالجبال... أياً كانت تلكَ العقبات. إلا أننا نكتشفُ بعدَ حينٍ أنها تكمُنُ في أذهاننا -وفي أذهاننا فقط- فتكونُ وبالاً علينا كي لا نخطو خطوةً واحدةً للأمام. تلك الخطوةُ التي تضعُ الحلمَ على طاولةِ النقاشِ معَ الذاتِ أو معَ منْ يهمهُ الأمر حتى نُقنعَ ذواتَنا ومن حولنا بإمكانيةِ تحقيقها، وأنه لا وُجودَ للمستحيل إلا في مدينةِ العدم. (6) العقباتُ أقسى اختباراتِ الوفاءِ للأحلام. متى ما تخلّينا عنها لحظةً لعدم ثقتنا بأنها ممكنة التحقيق، أو يغتالها ضجيجُ تلكَ الأصوات المنبعثةِ من الداخل والقائلة: "مهما فعلتِ لنْ يتحقَقَ حُلمكِ" أو تلكَ التي تنطقها الشفتان بصوتٍ خفيضٍ لا يكادُ يُبِينُ قائلةً: "ستتحقق". قرارٌ جريءٌ ينبعثُ منَ الداخلِ والخارجِ بصوتٍ واثقٍ يُسمعُ الذاتَ ومَنْ حولَها: "صديقي الحلم... ستتحقق بإذن الله" (7) صباحاتٌ جديدةٌ ترافقنا، يعرفنا فجرها تماماً وكأننا غدَونا عنوانه... نكبرُ وتكبرُ مَعَنا أرقامُ أعمارنا. وتأخذنا الحياةُ على ذاتِ الطرق التي قطعناها في عُمرٍ مضى نتأمّلُ أيّ حلمٍ سبقَ وألقيناهُ قد نَبَتَ وأزهرَ لكنهُ لم يَعُد لنا. أو تقطع بنا طُرقاً جديدةً تُذكّرنا بأنّ هناكَ أحلاماً لا تُلقى على أعتابِ الطرقات، وإنْ حَدَثَ وسَقَطَتْ عُنوةً من بين أيدينا فلندعو اللهَ أنْ تنبتَ في أرضِ التفاؤلِ أحلاماً نقطفها - ولو بعد حين - نُقِشَتْ عليها أسماؤنا. * جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن كلية الخدمة الاجتماعية