ليت الذي تحت الثرى طالع الثرى وليت الذي فوق الثرى بقبور ليت الذي عندي قريب وحاضر يغيبون والغايبين حضور يحكي ابن مويم الدوسري باختصار شديد في هذين البيتين الساخطين قصة خذلان الأصحاب له وخيبة ظنه بهم الأمر الذي دعاه إلى استلهام الماضي وتذكر رجال أوفياء احتضنت القبور أجسادهم وهناك من هو أولى بها منهم!! ولا شك أن الإنسان في أيام الضيق والحزن يميل إلى التذكر والحنين، يتذكر الأحبة الذين فقدهم ويحنّ إلى الأيام السعيدة برفقتهم بل ربما يظن في لحظة تتشح بسواد اليأس أن الظروف التعيسة ستختفي من حياته بمجرد وجودهم ولكن ذلك لا يزيده إلا أرقاً وجزعاً كما قالت الخنساء: يؤرقني التذكر حين أمسي ويردعني مع الأحزان نكسي ولكن هي كما قال أحد الحكماء: إن الدنيا سرورها أحزان، وإقبالها إدبار، آخر حياتها الموت؛ فكم من مستقبلٍ يوماً لا يستكمله، ومنتظر غداً لا يبلغه؛ ولو تنظرون الى الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره. ويبقى للموت سطوته وتأثيره العنيف على النفوس لدرجة أن الإنسان يرى أنه لا يوجد من يستحق البكاء بعد ذلك متناسياً أنه لو ذهب بعض الأحبة فإن من بقي منهم سيجبره فراقه على البكاء يوماً! ولكن التفاني في التعبير عن الثكل يصوّر الحياة في صورة لا تستحق العناء لأنها تصبح بدون قيمة بعد غياب كل غال كما قال سعدون العواجي: من عقبكم ما نبكي الحي لو مات ولاني على الدنيا كثير الحسوفي أو كما قال ضيف الله بن حميد: من مات عقب عبيد قلنا وداره لا باكيٍ عقبه ولا قايلٍ من بل أن هناك من تمنى الموت في مقابل حياة من يحب فداء له كما قال شالح بن هدلان: ليته كفاني سو بقعا ولا مات وأنا كفيته سو قبر هيالي وتراجيديا الموت عند الشعراء لا تتوقف عند ذلك بل تدفعها المشاعر الجياشة إلى درجة أكبر تتقاطع مع بيتي ابن مويم الذين صدرنا بهما المقالة حيث تختزلهما كنة الشمرية في بيت واحد: بعض العرب موتهم تخفيف مير البلا موت عبدالله ومن أعجب الصور البكائية الحزينة التي تعاملت مع الموت قبل حلوله واستجلبت الدموع من هواجس الأحزان واختلاجات الأقدار المفجعة قول شالح بن هدلان: ما ذكر حيٍ به بكى حي يا ذيب واليوم أنا ببكيك لو كنت حيّا وأخيراً نرد العجز إلى الصدر لنتأمل فلسفة الموت عند الشاعر رميزان بن غشام التي ربما يكون ابن مويم استلهم شيئاً منها في بيتيه السالفين: موت الفتى موتين موتٍ من الفنا وموتٍ من اخلاف الذراري جدودها ليت الذي حدر الثرى ظاهر الثرى وليت الذي فوق الثرى في لحودها من مات ما أرّث في ذراريه مثله فهو مثل نارٍ جرّ عنها وقودها