تعد تقنية النانو فتحاً علمياً جديداً تنتظره البشرية بالكثير من الترقب والآمال العريضة، وتحديداً استثمارها في المجالات العلمية والاقتصادية المهمة التي تتصل مباشرة بحياة الإنسان، وتنميته، وحضارته. وتملك المملكة الإمكانات المادية التي تساعدها على الإبداع في هذه التقنية، إلا أن تأهيل الكوادر البشرية المدربة تحتاج إلى مزيدٍ من الدعم، خاصة أنه من الممكن للمملكة المساهمة في تطوير منتجات تعتمد على هذه التقنية، ولكن الأهم أن تدعم الأبحاث العلمية في هذا المجال، وتسهيل استيراد الأجهزة والمواد الكيميائية للباحثين، حيث إن استخدامها لا يشكل أية خطورة، كما يحتاج الاقتصاد المحلي إلى هذه التقنية بشكل فعّال وسريع، حيث إلى الآن لم يتم استغلالها بالشكل الصحيح، كما تحتاج المملكة إلى بنية تحتية قوية لتطبيق هذه التقنية وهي ضرورية ومهمة للغاية، ولا غنى عنها في مستقبل الشعوب وتطورها. تحقيق "الرياض" يناقش من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن مستقبل تقنية النانو وتطبيقاتها المختلفة. سلوكيات وخواص في البداية قال "د.صالح القريشي" -الأستاذ المساعد بقسم الفيزياء بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن -: إن "تقنية النانو" من الموضوعات التي حُظيت باهتمام الكثير في المملكة، مضيفاً أن لها جانبين، الأول إنتاج تقنيات "النانو"، والثاني كيفية استخدامها، مبيناً أن "النانو" هو علم اكتشاف سلوكيات وخواص جديدة للمواد، عبر أبعاد دقيقة للغاية، ذاكراً أن "النانومتر" هو جزء من مليون من الملّيمتر، مؤكداً على أن "تقنية النانو" هي طريقة توضع فيها الاكتشافات المصنوعة على مقياس "النانو" في العمل، وهي أكثر من مجرد جمع عدة مواد ذات مقياس "نانوي". وأضاف أن المواد فى مقياس "النانو" يمكن أن تمتلك خواصاً مختلفة، وبعض المواد "النانونية" تصبح أحسن توصيلاً كهربائياً أو حرارياً، وبعضها تمتلك خواصاً مغناطيسية مختلفة، والبعض الآخر تعكس الضوء بشكل أفضل، وبعضها تتغير ألوانها بتغير حجمها، وكلما صغر حجم المواد النانوية كلما اختلفت خواصها. متناهي الصغر وعلّق "د.ناصر العقيلي" - عميد البحث العلمي ومدير وحدة العلوم والتقنية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن -، قائلاً: إن "النانو" هي جزء من مليار، وهي في الأصل وحدة قياس، وقد تطبق على السرعة أو القوة أو غيرهما، ويعرفها الجميع على أنها التقنية المتناهية في الصغر، مضيفاً أنه يُعد دخولنا في تقنية "النانو" امتداداً طبيعياً للتقدم البشري في العلوم، فالإنسان يتعامل مع المتر، والسنتيمتر و المايكرون ومن ثم "النانو"، مبيناً أنه لا يمكن القول إن الاهتمام ب"النانو" ظهر فجأة، بل كانت هناك بعض المعلومات والشواهد من خلال أعمال علماء متعددين، تدل على وصولنا لمثل هذه المقاييس. وأشار إلى الشواهد كثيرة ومنها على سبيل المثال قياس "آينشتاين "حجم" جزيء السكر" كجزء من أطروحته في الدكتوراة، وكانت النتيجة هي واحد "نانومتر"، ذاكراً أنه في موقف آخر تحدث العالم الأمريكي "ريتشارد فاينمان" -من معهد كاليفورنيا للتقنية عام 1959م- في محاضرة شهيرة أننا سنصل إلى مستوى "النانو" لتفسير الكثير مما نرى والانطلاق بالتقنية وبالقدرات الإنسانية إلى أبعاد مختلفة، كما أن شركة "آي بي إم " في عام 1981م استطاعت أن تطور "ميكروسكوباً" يمكن الباحثين من رؤية الذرات وتحريكها، وكانت هذه هي البداية الفعلية لتقنية "النانو". تغير المفهوم وأوضح "د.العقيلي" أن ما دفع هذه التقنية إلى الولوج في الكثير من التطبيقات - خاصةً تلك التي تلامس حياتنا اليومية - هو أن الاعتقاد القديم كان يتمحور حول ربط كفاءة الأشياء بكبر حجمها سواء في السيارات، أو الأجهزة الإلكترونية أو غيرها، لكن هذا المفهوم تغير بشكل كبير، حيث بدأ السعي خلف الأشياء الصغيرة جداً وذات الكفاءة العالية مثل الأجهزة الإلكترونية والسيارات، واستغل بعض المصنعين والشركات المختلفة مفهوم "النانو" بشكل تجاري لإيهام الناس والإفادة من الزخم المصاحب لهذه التقنية، مبيناً أن هناك شركات أنتجت سلعاً وأطلقت عليها أسماء مركبة تتخللها كلمة "النانو"، لإيهام المتسوقين أنها تستخدم هذه التقنية، لكن إذا بحثنا، لا نجد فيها شيئاً من تقنية "النانو". وأضاف أنه يمكن تلخيص الدور الأساسي ل"تقنية النانو" بأنه يمكنها تطوير كفاءة الأجهزة الصغيرة جداً، بحيث تعمل بنفس الأدوار التي تعملها الأجهزة الأكبر حجماً وربما بكفاءة أعلى، مؤكداً على أنه يمكنها أيضاً أن توفر في استهلاك الطاقة، ولمعرفة قدراتها المختلفة وفوائدها للمستهلكين ليس علينا إلاّ أن نتابع تطور المنتجات الإلكترونية. صناعات عدة وعن استخدامات " النانو" في الوقت الراهن وكيفية إفادة الإنسان منها، أكد "د.زين يماني" -أستاذ مشارك بقسم الفيزياء ومدير مركز التميز البحثي لتقنية النانو بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن - على أن "تقنية النانو" لها فوائد عدة لمن أدرك أسرارها وتعامل بها، إذ أنها تكشف أسرار ظواهر نشاهدها في الطبيعة، مضيفاً أنه من المعروف - على سبيل المثال - لون الذهب ولمعته، هذا في حال كان عبارة عن قطع كبيرة نراها بالعين المجردة، أما إذا تمت تجزئته لأجزاء نانونية، فيتغير خواصه، ويتغيّر لونه إلى لون بعيد كل البعد عن لونه المعروف، يضاف إلى ذلك أن المواد "النانونية" بصغرها ودقتها، تصل إلى ما تفشل فيه المواد الأخرى، ويظهر ذلك في صناعات عدة، من بينها صناعة استخراج "النفط الصخري" من الصخور، مشيراً إلى أن تقنية "النانو" استطاعت أن توفر المساحات المطلوبة لأسطح المعادن الثمينة، مثل "البلاتين" الذي يستخدم كمحفزات في التجارب العلمية بأقل تكلفة ممكنة، وقبل هذه التقنية كان العالم يستخدم المعادن الثمينة بمساحات وأحجام كبيرة بتكلفه عالية، مبيناً أنه مع تقنية "النانو" تتم تجزئة المادة حتى تكاد تكون كلها سطحية. علاج السرطان وتداخل "د.القريشي" قائلاً: إن استخدامات "تقنية النانو" متعددة ومتشعبة في كثير من المجالات، ومن بينها الجانب الطبي، حيث نجح الأطباء في إيصال العلاجات إلى الخلايا المطلوبة في جسم المريض عن طريق هذه التقنية الدقيقة، يضاف إلى ذلك أن الأطباء استخدموا هذه التقنية في تشخيص الأمراض ومتابعة تطورها، مضيفاً أنه على سبيل المثال، هناك "الخلايا السرطانية" التي تحتاج إلى مراقبة مراحل نمو المرض ودرجة انتشاره في جسم الإنسان، مبيناً أنه تقنية "النانو" تساعد في ملاحظة هذا المرض ومراقبته بشكل دقيق، مما يسهل عملية كيفية العلاج وتوقيته وجرعاته، حيث وصلت هذه التقنية إلى المجال الصناعي باستخدامها في تنقية المياه، عبر استخدام محفزات ضوئية تقتل البكتيريا والجراثيم الموجودة في المياه. وحدات تخزين وأكد "د.العقيلي" على أن تطبيقاً جديداً ومهماً ل"تقنية النانو" في المجال الطبي، يتلخص في إعادة بناء الأنسجة والخلايا في جسم الإنسان، بعد إجراء بعض التعديل أو علاج الخلايا المصابة بالأمراض، وهذا الأمر يساعد في إطالة عمر الإنسان وتجاوز الأمراض - بعد مشيئة الله -، مبيناً أنه صناعياً تستخدم تقنية "النانو" في تطوير الأجهزة وتصغير حجمها ووزنها، مع التأكد من أنها تقدم نفس الخدمات والكفاءة التي تقدمها الأجهزة ذات الأحجام الكبيرة وربما بشكل أفضل، وعلى سبيل المثال تسعى شركات صناعة السيارات إلى تصغير حجم محركات سياراتها ووزنها باستخدام هذه التقنية، لزيادة سرعات تلك السيارات، وخفض نسبة استهلاكها للوقود. وأضاف أن هذه التقنية ساهمت إلى حد كبير في زيادة حجم "وحدات التخزين" في أجهزة الحاسب الآلي، وعلينا أن نقارن "سعات التخزين" في السابق والوقت الحالي، حيث نجد أنها تضاعفت آلاف المرات إلى أن وصلنا إلى "الجيجا" و"التيرا بايت"، ومع ذلك ما زالت وحدات التخزين والأجهزة الإلكترونية تصغر في الحجم بشكل متسارع. أشعة شمسية وعن استخدامت التقنية في المملكة بيّن "د.القريشي" أن المملكة لديها إمكانية حالياً في استخدام "تقنية النانو" فى توليد الطاقة من الأشعة الساقطة الشمسية على مساحات المملكة المترامية، وتحديداً في الربع الخالي، حيث تساعد هذه التقنية في مضاعفة حجم الطاقة الشمسية المولدة على الأسطح الملساء، كما يمكن استخدمها في الصناعات، مثل ابتكار "دهانات" معينة تعالج نفسها بنفسها إذا تعرضت للخدوش أو التجريح، ولدينا في المملكة توجه عام لدعم البرامج والأبحاث التي تدعم الإفادة من "تقنية النانو". وفيما يتعلق باستخدام التقنية في المملكة اليوم ووصولها إلى مراحل متطورة ومرضية، قال "د.العقيلي": إذا كان القصد هو استخدام التقنية في مجالات تؤثر في اقتصاد المملكة وتلعب دوراً في الناتج المحلي، فحتى الآن لم نستغل هذه التقنية بصورة صحيحة، إذ تبقى هناك إشكالية مهمة تقلص درجة الإفادة من هذه التقنية بشكل علمي واسع في جميع المجالات، مُشدداً على أن المملكة تحتاج إلى بنية تحتية قوية لبحث وتطوير منتجات تعتمد على هذه التقنية، وقد بدأت الفعاليات البحثية في هذا المجال بعد تبرع خادم الحرمين الشريفين لثلاث جامعات منها جامعة الملك فهد للبترول المعادن، لتخصيص بنى تحتية لبحث وتطوير هذه التقنية والاعتماد عليها في مجالات عدة. عدم استعجال وأوضح "د.العقيلي" أنه من المبكر جداًّ تقييم "تقنية النانو" في المملكة، ومن المبكر أيضاً توقع النتائج المُرضية، مُشدداً على أهمية التريث والإيمان بقدرتنا على المساهمة في هذه التقنية، مضيفاً أنه انتقد البعض الدعم الذي خصص ل"تقنية النانو" في العالم عام 2006م لمدة ثمانية أعوام، وقالوا إنه يعادل ميزانية مشروع "أبولو" -الذي استمر لمدة ثمانية أعوام أيضاً-، مبيناً أنه في المقابل فإن مشروع "أبولو" نجح ولم نحصل على شيء مُرضٍ بخصوص تطوير منتجات تتوافق مع الطموحات المصاحبة للإستثمار في "مجال النانو"، في الوقت نفسه لا أستطيع توقع عدد معين من السنوات، تنتشر فيه هذه التقنية في المجالات الصناعية والطبية وغيرها في المملكة. ووافقه "د.القريشي" بقوله: إن استخدام تقنية "النانو" أمر ضروري ومهم للغاية، ولا غنى عنه في مستقبل الشعوب وتطورها، مُشدداً على أهمية تأسيس بُنية تحتية راسخة حتى ننطلق في ركب التطور العلمي المأمول، وكذلك تفعيل استخدام هذه التقنية، مثلما فعل الغرب، الذي أسس هذه البنية منذ زمن، ويحصد الآن ثمارها في اختراعاته التي جلبت له الفائدة. صناعة المحفزات وتداخل "د.يماني" قائلاً: نحن في المملكة بدأنا نسير في ركب "تقنية النانو"، ونعتمد عليها في الكثير من الأبحاث والاختراعات، مضيفاً أن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، بدأت الاعتماد على هذه التقنية في ابتكار تقنيات واختراعات جديدة، والأبحاث جارية الآن وتشهد تقدماً في نتائجها، مبيناً أن انتقال هذه الأبحاث إلى مرحلة التطبيقات وتحويلها إلى اختراعات وابتكارات في الأسواق، فهذا يحتاج إلى بعض الوقت لا يقل عن عامين أو ثلاثة، مشيراً إلى أنهم قطعوا شوطاً جيداً في صناعة المحفزات، ويتعاونون مع "شركة أرامكو السعودية" في صناعة المحفزات "النانونية"، التي تستخدم في "تكرير النفط"، وهذا سيساعد على تأسيس شركات محلية تعمل في قطاع المحفزات، مؤكداً على أنه من الصعب تحديد الميزانيات التي خصصتها الحكومة للإنفاق على أبحاث "تقنية النانو" تحديداً، إلاّ أنها كبيرة وتبلع مئات الملايين. تكثيف الأبحاث وعلّق "د.العقيلي" فيما ذكره "د.يماني" بخصوص الميزانيات المخصصة للبحث في "تقنية النانو"، قائلاً: في الولاياتالمتحدةالأمريكية بدأ الاهتمام بهذه التقنية قبل بداية الألفية الجديدة، ووصل الإنفاق عليها حتى عام 2005م إلى ما يقارب أربعة مليارات دولار، وعالمياً وفي العام نفسه بلغت الميزانيات المخصصة للصرف على هذه التقنية ما يقارب (18) مليار دولار، مضيفاً أنه توقعت أمريكا أن تحصل على (1.4) مليار دولار كعائد من هذه التقنية، كما توقع العالم أن يحصل على عائد مجز، لكن يبدو أن هذه العوائد لم تتحقق بعد؛ لأن هذا يحتاج إلى الصبر والإيمان بالهدف، وتكثيف الأبحاث للوصول إلى منتجات واستخدامات جديدة، تقلل من إجمالي التكلفة. وأضاف: أتفق مع زملائي في أنه من المبكر الحديث عن تطبيقات هذا التقنية في المملكة، التي ركزت فيها جامعة الملك فهد للبترول والمعادن على تطبيقات المحفزات أكثر من غيرها، وتقدمت فيه بشكل جيد، ولا يمنع هذا من وجود أبحاث في مجالات أخرى تعتمد على "تقنية النانو". كوادر مؤهلة وأوضح "د.العقيلي" أن هناك نقصاً في الكوادر البشرية المدربة العاملة في "تقنية "النانو"، حيث أن هذه الكوادر غير متوفرة حالياً، وإذا توفرت، فهي تحتاج إلى تدريب وتأهيل مستمرين حتى تصل إلى المستوى المطلوب، مضيفاً أن الميزانيات المخصصة ل"تقنية النانو"، تتركز على المجالات التي تتوفر فيها الأبحاث، وليس على إيجاد كوادر بشرية مدربة على التعامل مع أبحاث هذه التقنية والابتكار فيها، مُشدداً على أهمية وضع استراتيجية لإيجاد وتعزيز ودعم الكوادر البشرية القادرة على التعامل مع تقنية "النانو"، ولعل من المناسب أن يكون هناك توجه في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث للتركيز في هذا الجانب. وعن وجود آلية محددة الأهداف لنشر "تقنية النانو" والتعريف بها في المدارس والجامعات السعودية، لتقريبها إلى النشء الصغير, قال "د.يماني": إنه يوجد شيء من هذا القبيل في المملكة, مضيفاً أن هناك برامج لاكتشاف علماء الغد، وهذه البرامج تشرح مفاهيم هذه التقنية بين الطلاب، كما أنها تنشرها على قطاع عريض من الشباب في المدارس والجامعات، وربما هذا يتطلب أن تكون هناك تخصصات في الجامعات لتدريس "تقنية النانو" في المجالات المختلفة، مشيراً إلى أنه قريباً سيكون هناك برنامج "ماجستير" في هذه التقنية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وهذه بداية لا بأس بها لتطوير هذه العلوم والإفادة منها محلياً. مراجع علمية وبيّن "د.القريشي" أن المنافسة في تطور التقنيات وتحديداً في "تقنية النانو"، شديدة جداًّ، حيث يشهد كل يوم شيئاً جديداً على مستوى العالم، مضيفاً أننا في المملكة مطالبون بالدخول في معترك هذه التقنية وتطوراتها، وأن نشارك العالم أبحاثه وتقنياته، وأن نعمل على تأسيس بنية تحتية متكاملة لتطوير هذه التقنية والإفادة منها، مُشدداً على أهمية أن يكون لدينا مراجع علمية عالية المستوى من علماء وباحثين، حيث مازلنا نحن في بداية الطريق، ناصحاً بأن تخلو برامج تطوير "تقنية النانو" من عقبة "البيروقراطية" التي قد تفسد هذه البرامج، وتقلص درجة الإفادة منها، وهو ما يُحتم اتخاذ القرارات بسرعة عاجلة، بعيداً عن أي روتين ممل. وتداخل " د. يماني" قائلاً: إن معوقات "تقنية النانو" لا تختلف كثيراً عن معوقات غيرها من مجالات البحث العلمي في المملكة بشكل عام، فالجامعات لديها أبحاثها وبرامجها المختلفة في تفعيل هذه التقنية وتطبيقاتها، كما أن لديها الميزانيات اللازمة، إلاّ أن العطل الحاصل هو في استيراد المواد الكيميائية التي تحتاجها أبحاث "تقنية النانو"، وهو ما يجعل تنافسنا مع الدول المتقدمة تقنياً أمراً صعباً للغاية، وإن توفر الدعم المالي والفني. ديناميكية الدعم وعلّق "د.العقيلي" بقوله: الدعم متوفر في المملكة من خلال الميزانيات الضخمة للجامعات ودعم المراكز العلمية، لكن الإشكالية تكمن في كيفية تعاطي العلماء مع الأبحاث العلمية، وكذلك إيماننا بقدرتنا على المساهمة في هذ المجال، مضيفاً أن المملكة فيها باحثون متميزون، وعلى استعداد للعمل بكثافة لتطوير إمكاناتهم، وهناك أيضاً توجه لرفع كفاءة تعاطينا مع تطوير التقنيات الحديثة ورفع مستوى منافستنا عالمياً، ويكفي أن أدلل على صحة كلامي أن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن أنفقت ملايين الريالات العام الماضي لتطوير الأجهزة العلمية في الجامعة، مُعبراً عن تفاؤله بشأن مستقبل هذه التقنية، مؤكداً على أن العقبات تكمن في ضعف "ديناميكية" الدعم التي يواجهها الباحثون وليس في الدعم ذاته، فمثلاً عند استيراد الأجهزة الحديثة أو المواد الكيماوية من الخارج يمكن أن يصل التأخير الى فترات طويلة جداً حتى تصل إلى المملكة، مُشدداً على أهمية أن تتكاتف الجهود وأن يكون هناك تنسيق بين الجهات التي تعمل في هذا المجال، حتى نتمكن من البناء وأن نتعلم من تجاربنا المختلفة. وعن الخطورة التي قد تشكلها "تقنية النانو", بيّن "د.يماني" أن هذه التقنية قد تستخدم بشكل إيجابي، مثل الأبحاث العلمية والطبية كما ذكرنا سابقاً، وقد تستخدم بشكل سلبي مثل صناعة أجهزة التجسس على الآخرين، التي لا ترى بالعين من دقتها، أو في صنع الأسلحة الفتاكة. 2.6 ترليون دولار حجم إنتاج «النانو» بحلول 2015م توقع خبراء أن يصل حجم إنتاج «تقنية النانو» من مواد ومنتجات وتقنيات وخدمات حوالي (2.6) ترليون دولار في العالم العربي بحلول العام 2015م، مع توفر أكثر من سبعة ملايين فرصة عمل بحلول العام نفسه، وبذلك ستكون آثارها التنموية والاقتصادية كبيرة جداً، وستشكل تحولات هامة في الاقتصاد العالمي، إضافةً إلى دورها الأكيد والمباشر في التنمية البشرية على مستوى العالم. ويواجه الوطن العربي تحدياً كبيراً من جراء تنامي علوم و»تقنيات النانو» وتطورها، فهذه التقنيات لها أثر كبير مباشر وغير مباشر على حياة المواطن العربي، فهي تقدم استخدامات وتطبيقات جديدة من خلال التقنيات القادمة في جميع مجالات الحياة شاملة الصحة والصناعة والطاقة والمياه، وكذلك البيئة والاتصالات والمعلومات والإلكترونيات والفضاء وغيرها، ولها تأثيرات اقتصادية كبيرة. وكان لزاماً على الدول أن تولي هذه التوجهات الأهمية القصوى، وأن تعمل على توعية الشعوب العربية للاهتمام بهذا التحول الهام، وكذلك توجيه الجامعات والمعاهد للعناية به، إضافةً إلى توفير فرص الدراسة والتدريب لتهيئة جيل جديد من العلماء والباحثين في مجالات «النانو» المختلفة، حتى تتمكن من اللحاق بالركب العالمي المتطور بسرعة كبيرة في هذه المجالات. شراكة «الطاقة النووية» في المملكة تسعى الكثير من الدول الى تعزيز الشراكات لتطوير الطاقة النووية في المملكة، حيث يرى البعض أن هناك فرصاً عديدة ومتاحة لإقامة الشراكات في مجال الطاقة النووية مع الشركات السعودية، خاصةً تلك الدول التي وقعت اتفاقاً في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية، التي تمهد الطريق لمزيد من التعاون ونقل الخبرات التكنولوجية إلى المملكة. وتمتلك فرنسا -مثلاً- تكنولوجيا نووية متقدمة وخبرات عميقة تستطيع تقديمها للمملكة بهدف تطوير الطاقة النووية، حيث أن الطاقة النووية هي المصدر الرئيسي للطاقة الكهربائية في فرنسا، كما أن أكثر من (70%) من الكهرباء تأتي من الطاقة النووية. وتُعد فرنسا دولة نشطة جداً في مجال تطوير التكنولوجيا النووية، إضافةً إلى أن أهم الصادرات الفرنسية تتمثل في المفاعلات، والمنتجات والوقود والخدمات، وأن أنظمة وتكنولوجيا السلامة هي الهدف الرئيسي للشركات الفرنسية، حيث تجري عليها العديد من البحوث والدراسات لضمان اقامة مشروعات آمنة في هذا القطاع. ولعل أقرب مثال على ذلك زيارة أكثر من (40) شركة للمملكة، وعقد لقاءات مع مجموعة من كبار رجال الأعمال، لبحث إمكانية التعاون في مختلف القطاعات الاقتصادية وخاصة في مجالات الطاقة النووية والشمسية. دعم الملك عبدالله تبرع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- بمبلغ (36) مليون ريال من حسابه الخاص لتمويل استكمال التجهيزات الأساسية لمعامل متخصصة في مجال التقنية متناهية الصغر المعروفة ب»تقنية النانو» في ثلاث جامعات؛ هي جامعة الملك عبدالعزيز، جامعة الملك سعود، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، بواقع اثني عشر مليون ريال لكل جامعة. كما أمر خادم الحرمين الشريفين بإنشاء مدينة علمية تسمى «مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة»، تهدف للإسهام في التنمية المستدامة في المملكة، باستخدام العلوم والبحوث والصناعات ذات الصلة بالطاقة الذرية والمتجددة في الأغراض السلمية، وبما يؤدي إلى رفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة في المملكة، حيث تعمل المدينة على دعم ورعاية نشاطات البحث والتطوير العلمي، وتوطين التقنية في مجالات اختصاصاتها. مقترحات للتطوير * تفعيل دور الجمعية السعودية ل»تقنية النانو» لإعداد شبكات التواصل العلمي، وتوجيه أنشطة «النانو» على المستوى الوطني. * إيجاد استراتيجية وطنية لتأهيل علماء متميزين في هذا المجال، عن طريق تأهيل وتدريب كوادر بشرية مدعمة وقوية ومتمكنة ومدربة على أحدث التقنيات، وفي أفضل الجامعات والمراكز العلمية العالمية. * الاهتمام بالجانب المادي لمختلف الباحثين وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات والكليات العلمية؛ لتشجيعهم على مواصلة أبحاثهم بكل همة ونشاط، ومن المهم أن يكون المقابل المادي متوافق مع الجهود التي يبذلونها في أنشطتهم البحثية. * العمل على الانتقال من مرحلة الأبحاث العلمية في «تقنية النانو»، إلى مرحلة التطبيق الفعلي، بإيجاد منتجات تعتمد على هذه التقنية. * إضافة بعض اللمحات عن هذه التقنيات في المناهج الدراسية، بما يدعم هذه التقنية ويعممها وسط أبنائنا. * تسهيل استيراد المواد الكيميائية التي تحتاجها «تقنية النانو»، تحقيقاً لرؤية خادم الحرمين الشريفين تجاه هذه التقنية. فتاة تستثمر تقنية النانو في تطوير مخترع اتصالي د. صالح القرشي د.ناصر العقيلي د.زين يماني