أي قرار يصدر يتعلق بدخل المواطن سواء من حيث المرتب أو المكافأة يتوقع أن يكون متناسباً مع الواقع الحالي الاقتصادي لهذا المواطن ومستوى الأسعار للخدمات والسلع في المجتمع.. فالقرار الذي صدر من مجلس التعليم العالي والمتضمن تخفيض مكافأة أطباء الامتياز بنسبة 45٪ من هذه المكافأة!! خصم خمسة آلاف تقريباً من هذا الراتب أو ما يقال انه مكافأة ما هي حيثياته؟ ولماذا يصدر في مثل هذا الوقت؟! وفائض الميزانية يبشر بمزيد من الرفاهية للمواطن.. وهل ضرورات إصدار هذه المكافأة انتهت؟؟ ولماذا يتم اللجوء إلى هذا الخصم بدلاً من تعميم زيادة مكافآت طلاب التخصصات الأخرى التي قد ينظر إليها أنها تستحق مكافأة جيدة في آخر سنة لهم للتخرج وللتدريب المهني. وكما جاء في مقالة الأستاذ علي سعد الموسى في صحيفة «الوطن» في 12/6/1426ه انه إذا كان القرار بسبب توفير من ميزانية الجامعات التي تخرج منها طلاب الامتياز فإننا إذا افترضنا أن كليات الطب تدفع في العام الواحد بستمائة طبيب امتياز ووفرنا من خلال هذا الخصم!! خمسة آلاف ريال من مكافأة كل طبيب فإن إجمالي الوفر النهائي لن يزيد عن 36 مليون ريال وإذا حسبناها بالتوزيع على الجامعات المختلفة فإننا في النهاية سنجد أنها أقل بكثير من حساب إعانة حكومية لمشروع زراعي أو صناعي.. وكما ذكر طبيب الامتياز وأمين المجلس الاستشاري الطلابي في جامة الملك عبدالعزيز في جدة في التحقيق الصحفي الذي نشر في صحيفة «الوطن» 12/6/1426ه (أن أطباء الامتياز أكثر أفراد الفريق الطبي إنتاجاً) وذكر أن توقيت هذا القرار يزيد من الشك في مناسبته أو انسجامه مع الأطر العامة لسياسات الدولة وذلك من جانبين: الأول أن الميزانية العامة للدولة تتمتع بفائض جيد يجب أن يرى المواطن عموماً أثره الإيجابي في واقع حياته كما أن الدولة بكل أجهزتها قاربت من دخول الخطة الخمسية للتنمية الثامنة والتي تعني بصورة أساسية بتنمية الكادر البشري ورفاهية الفرد وزيادة دخله. وكما جاء في التحقيق الصحفي الذي نشر في جريدة «الرياض» في 18/6/1426ه أن المصاريف التي ينفقها الطالب أثناء دراسته في كلية الطب تفوق بكثير ما يتقاضاه سواء في مكافأته الشهرية خلال الدراسة وهي ألف ريال والتي كان من المفترض أن يتم زيادتها كما يقولون بدلاً من تخفيض مكافأة الامتياز. بل إن نسبة كبيرة من هؤلاء الطلاب يصرفون هذه المكافأة في التحاقهم باختبارات التخصص والزمالات الدولية والتي تتراوح أسعار أداء اختباراتها ما بين 2500 إلى 3000 ريال لكل اختبار نظراً لأهميتها في تحسين مستواهم وأدائهم الوظيفي.. كما أن طلاب الطب كما هو معروف في جميع دول العالم من أكثر الفئات معاناة من الضغوط الأكاديمية المتصلة طوال مرحلة دراستهم وهم يبذلون جهداً لا يوازي ما يقوم به الطلاب في التخصصات الأخرى. وكم هو مهم أن يتم احتواء هذه الشريحة وتوفير متطلباتهم مالياً ومعنوياً واجتماعياً أما أن يكون التعامل معهم كأنهم موظفين في شركة أو مصنع لا بأس من خصم مكافآتهم لأن الشركة أو المصنع يعيد هيكلة نظامه المالي مثلاً أو لديه مشاريع أخرى.. فأعتقد أن هذا قرار غير متوقع.. إن هؤلاء الأطباء لا يرغبون في (الرفاهية) بل يطالبون بتوفير (احتياجاتهم)!! وبدلاً من تخفيض هذه المكافأة لماذا لا يعاد النظر في تحسين مكافآت بقية التخصصات العلمية وكليات العلوم التطبيقية.. إن أي قرار يصدر ويؤثر في مداخيل شرائح المجتمع يتوقع من الذين درسوه أن ينظروا إليه ضمن المستوى الاقتصادي والمجتمعي ولا يتعاملوا معه كجزئية منفصلة عن هذا الإطار.. القرارات الصادرة والمؤثرة في حياة الأفراد مهمة ولا نتوقع أن تصدر دون مراعاة لهذه المؤشرات.. [email protected]