عندما يدخل فصل الصيف يبدأ البعض في الاستعداد لقضاء إجازاته السنوية مع أفراد عائلته في أحد المصائف الجميلة في ربوع الوطن أو في أحد المصائف العالمية، ولكن الأدباء والمثقفين حتى وأن تمتعوا في إجازاتهم السنوية فإن هم الثقافة والأدب يسكنهم ويجعلهم يخصصون جزءا من الإجازة للقراءة والاطلاع، أو للتفرغ للكتابة، أو استغلال فرصة السفر في اقتناء آخر ما طرحته دور النشر العربية والعالمية. ضيفنا اليوم القاص والروائي يوسف المحيميد مواليد الرياض 1384ه، حاصل على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود عام 1407ه ودبلوم رقابة من معهد الإدارة العامة بالرياض عام 1411ه.يعمل في المؤسسة العامة للبترول والمعادن منذ عام 1407ه وحتى الآن . استضفنا القاص والروائي يوسف المحيميد في زاوية الأدباء والصيف وسألناه عن مشاريعه الأدبية في فصل الصيف وعن الفعاليات الثقافية في بعض المدن فقال: في الصيف أتمتع سنوياً بكسل وافر ورائع، فأحياناً أشعر أنني بحاجة إلى كسل واسترخاء وخدر يتلاءم مع لهيب «آب» الحارق، ففي مدينة مثل الرياض لا يوجد أي شيء يحرض الإنسان على إخراج أنفه من سطوة جهاز التكييف، فلا مراكز تجارية تحظى بترفيه كالدول المجاورة ، إلا إذا كانت المطاعم ترفيهاً! ولا مسارح يستطيع أحد أن يصطحب أطفاله إليها، ولا سينما حتى لو للأطفال، وحتى لو لم يدخل الرجال مثلاً، ولا طقس يحتمل التنزه في حديقة أو صحراء، فيشعر إنسان الرياض أنه يقف في بوابة جهنم أحياناً! حتى لو كان في منتصف الليل!. والغريب أن الهواء الحارق أو «صباغ اللون» كما يسميه أهل نجد، يصبغ البلح الأخضر فيكسوه بالصفرة أو الحمرة، لكن الإنسان هنا يبقى دوما دون أي لون، فلا لون في المدينة سوى الأسود والأبيض!. هكذا أجد أن العزاء الوحيد بالنسبة لي، في هكذا مكان هو مكتبتي الصغيرة المتواضعة، وهذا المكيف الذي ينفث الهواء فوق رأسي! فأبقى ساعات طويلة أفتش عن معلومة هنا، وأقرأ فصلاً أو مقطعاً هناك، وفي المساء أطالع الصحف اليومية وأتأمل برامج الرحلات التي تطرحها وكالات السفر والسياحة، فأصنع لي شاياً وأضحك طوال الليل!. أحياناً في الصيف أتخيل أن «الرياض» هي بيتي الخاص، وأن أهلها ضيوفي الثقلاء طوال العام، وفي الصيف يرحلون إلى بيوتهم في أوروبا، فأصفق خلفهم باب المطار وأنا أقول: أف! تخلصنا منهم! فأعود إلى بيتي الكبير جداً وأتنقل بين غرفه المترامية الأطراف، فأشرب القهوة في مقهى، وأدخل كشك موسيقى لأنصت إلى جديد العالم، وأطالع إعلانات الأفلام الجديدة في محلات الفيديو، وليس أفيشات السينما، وأتنقل بين معارض الأغذية والأثاث والمكتبات مستمتعاً وحدي بعروض الخصومات الهائلة، فأرى وجهي في زجاج المحلات وأقول: كل هذا لأجلي؟! عادة لا أدخل مشروعاً روائياً في الصيف، فلا أكتب سوى الأشياء الطفيفة العابرة، لكنني أحب البحث والتأمل والقراءة المنفلتة من أي قيود أو برامج محددة سلفاً، أسافر قليلاً في الصيف مع العائلة، ليس لأكتشف مكاناً جديداً كما يفعل البعض، بل لأكتشف أطفالي، أو ليكتشفونني أحيانا بمقالبهم المضحكة! في الغالب لا أملك سوى الضحك على المهرجانات السياحية في مدننا الصغيرة، بل حتى القرى دخلت في اللعبة التجارية البحتة، لدرجة أنني تخيلت قريتي الصغيرة «الشقة» في القصيم تعلن عن «مهرجان الملح» الذي تشتهر فيه! هذه المهرجانات تكشف وراءها حكاية الرعاة الرسميين والمشاركين، أو الرعاة الذهبيين والفضيين و«البطيخيين»! وهي في النهاية أموال يستفيد منها من يستفيد، ويركض خلفها من يركض، ويبتهج فيها من يبتهج، ويضحك منها أمثالي الصامتين!. أما أن تنظم فعاليات ثقافية في الصيف، بهدف الترويج للسياحة الداخلية، فأود أن أسأل: هل يعقل أن يتقاطر السياح من أنحاء المملكة إلى المدينة «صاد» لحضور أمسية شعرية أو قصصية أو محاضرة عن آثار العلا وتيما؟. ألا يليق بالسائح أن يسافر مباشرة إلى العلا أو مدائن صالح لو كانت مؤهلة للمتعة والبهجة والمعرفة والثقافة؟. أحيانا أتصور أن السياحة لدينا يمكن أن تكون أهم مورد اقتصادي بعد النفط، شرط أن يتخفف المجتمع من انغلاقه الصارم وتحفظه الشديد إزاء مظاهر التمدن والحضارة! كي يتحول البلد إلى باقة ألوان تهب الصيف منظراً بديعاً، بدلا من اللونين الأسود والأبيض فحسب!.