من أصعب التغيرات التي تطرأ على أي مجتمع تدني الناحية الذوقية والأدبية بالمنتج الثقافي السائد بهذا المجتمع، وتكمن خطورة هذا التدني بانعكاسه على المتلقين خصوصاً من صغار السن، كون الأغنية من أسرع الوسائل التي تستطيع أن تنتشر وتؤثر بالذائقة. قبل أيام أصبت بحالة من الاندهاش للمستوى المتدني جداً لإحدى الأغاني التي تبث وبإعلانات حصرية على إحدى إذاعات إف إم الجديدة، الأمر ليس فقط تدني في المستوى الفني وإنما وبكل أسف تدني بالمستوى الأخلاقي لهذه الأغنية، فلم أكن أتصور وبكل مصداقية أن نصل لهذا المستوى من قلة الذوق والأدب!. كنت أعاني والكثيرون من هبوط مستوى الكلمات الغنائية في السنوات الأخيرة، أصبحت مفردات "طيارة، وتاكسي" وغيرها من مفردات الواقع الغنائي، بعد أن كنا ننتظر وننتظر أغاني فيروز ومحمد عبده وطلال مداح، ونتأمل أكثر وأكثر بمفردات الأخوين الرحباني أو طلال حيدر أو جوزيف حرب أو إبراهيم خفاجي أو البدر أو فائق عبدالجليل وغيرهم الكثير ممن كانوا يدهشون ذائقتنا الفنية بأجمل الأصوات وأعذب الألحان. ومن الطبيعي تقبل بعض الصرخات أو بعض الفوضى في الذائقة، ولكن من وجهة نظري من الصعوبة بمكان أن نتقبل "العري" في الأغنية، والوصول لمرحلة يمكن وصفها بالكثير من الأوصاف المتدنية التي تناسب ما سمعته ويروج له بدون أي حياء!. "البنات يا كثرهم.. كثر النمل انته أشر يا قلبي.. وهم يجون ما له داعي تتعنى بالغزل.. بس انت أشحن وعبي لها رصيد وتأخذ اللي تبي واللي ما تبي.. وبعدها انسى ودور لك جديد" وأنا هنا أعتذر عن نقل بعض تفاهات أغنية تبث على مدار الساعة على إذاعة محلية خاصة، وعنوانها "كثر النمل" لأن المتأمل لهذا المحتوى من الكلمات سيصاب بطبيعة الحال بنوع من الدهشة والاستغراب لإجازة وبث مثل هذه الأغاني المنحدرة ذوقياً، كنت في الحقيقة متردداً في تناول مثل هذه السخافات، لأن البعض يعتبر أن الإشارة لها ستزيد مغنيها وفريق عمله شهرة أكبر، ولكن مع تكرار بث هذه السقطة الغنائية، لابد أن يكون لنا موقف ضد هذا الإسفاف الذوقي والأدبي، وأنا هنا آمل من هيئة الإعلام المرئي والمسموع أن تتخذ الإجراء المناسب لحماية الذوق العام وهذا الأمر أعتقد أنه من أهم الواجبات الملقاة على عاتقها، فمن الصعوبة أن تسمع أغنية تبث على مدار الساعة ومغنيها يردد: "انت بس اشحن.. وعبي لها رصيد.. وتاخذ اللي ما تبي واللي تبي.. وبعدها انسى.. ودور لك على جديد" وأعتذر مجدداً على تكرار مثل هذه الكلمات ولكن الواقع يتطلب منا الوقوف ضد مجرمي الذوق العام.