بعد أن لمس تزايدا في حالات انتحار المواطنين من جميع مناحي الحياة في كوريا الجنوبية اخذ يو بيونغ جونغ الذي يعمل شرطيا في العاصمة على عاتقه مهمة جديدة ... حراسة جسور سول لمحاولة منع أي شخص يائس من القاء نفسه في مياه نهر هان. ارتفعت حالات الانتحار بين مواطني بلاده إلى المثلين خلال عشر سنوات وأصبحت الآن السبب الرئيسي للوفيات بين من هم في العشرينات والثلاثينات من عمرهم. ويبلغ عدد الذين ينتحرون نحو مثلي من يلقون حتفهم في حوادث المرور. وفي حملة تهدف إلى خفض معدل الانتحار بواقع الخمس بحلول عام 2010 تعرض وزارة الصحة التي اقلقها الامر إعلانا خاصا في التلفزيون. يبدأ الإعلان برجل وحيد يسير على جسر ويسمع صوتا يقول «فكر خمس دقائق أخرى قبل أن تتخلى عن كل شيء... لا تنس أن لديك أسرة تحبك.» وتشمل خطط الوزارة الاخرى تخصيص خطوط ساخنة وتدريب عدد اكبر من المستشارين الذين يقدمون النصح لراغبي الانتحار. كما تتخذ السلطات إجراءات مشددة ضد مواقع الانترنت التي تنشر تفاصيل اساليب الانتحار وفي بعض الأحيان تبيع حتى كيماويات سامة. ويأمل يو وزملاؤه من رجال الشرطةالذين يحرسون الجسور أن ينقذوا حياة طلبة يائسين لسوء درجاتهم الدراسية او افراد عجزوا عن سداد ديون بطاقاتهم الائتمانية اوسياسيين اصابهم الخزي. وتقدم البيانات ارقاما قاتمة. فقد احتلت كوريا الجنوبية رابع اعلى معدل لحالات الانتحار بين الدول الصناعيةالثلاثين الاعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وسجلت كوريا الجنوبية 22,8 حالة انتحار لكل مئة الف نسمة في عام2003 وهو معدل اقل مما هو عليه في المجر وفنلندا واليابان المجاورة غير ان العدد يرتفع بنحو واحد بالمئة سنويا اسرع منه فى جميع الدول الاخرى الاعضاء في المنظمة. ويقول خبراء ان التغطية الاعلامية المكثفة لحالات انتحار في الآونة الاخيرة شملت رجال اعمال وشخصيات هامة ينبغي ان تتحمل جانبا من المسؤولية إذ ادت فيما يبدو إلى محاكاة اخرين لها. وفي اواخر ديسمبر كانون الاول قال يو (38 عاما) «انقذنا 50 روحا هذا العام بعد ان تحول الناس للجسور للتخلص من حياتهم بعد تقارير صحفية عن حالات او محاولات انتحار قام بها (اشخاص مهمون).» وقال خبراء ان التقارير المفصلة في بعض الاحيان ربما قادت إلى «تأثير فرتر» وهو مصطلح وضعه علماء اجتماع للاشارة إلى تزايد حالات الانتحار في اوروبا بعد نشر رواية الكاتب الالماني يوهان جوته «الام فرتر». وقال خبراء ان تهافت وسائل الاعلام على متابعة نبأ انتحار رجل الاعمال البارز تشونج مونج هون الرئيس السابق لمجموعة شركات هيونداي في عام 2003 والذي احدث صدمة ساعد في تصاعد هذا الاتجاه. وانتحر تشونج بالقفز من مكتبه في الطابق الثاني عشر بعد ان استهدفه تحقيق في تمويل غير قانوني اثناء انتخابات الرئاسة في عام 2002. وفي يوليو تموز الماضي حثت الحكومة والمنظمات المدنية وسائل الاعلام على تجنب اذاعة اساليب او مواقع محددة لحالات الانتحار. وقال لي هيونج شيك رئيس مركز مكافحة الانتحار في كوريا الذي تأسس في عام 2003 «بصفة عامة يزيد الميل للانتحار ما يصل إلى 17 مرة عقب تقارير عن مثل هذه الحالات لشخصيات مهمة.» وقال لي وهو طبيب نفسي في مستشفى جامعة يونسي في سول «ارتفع معدل الانتحار سريعا خلال عامين. من حسن الحظ ان الحكومة بدأت تنظر للمشكلة بجدية.» وشهد العام الماضي انتحار عدد من الاشخاص المهمين. وفقد نق رئيس بلدية دخل السجن لحصوله على رشى نفسه في فبراير شباط وعثر على رئيس سابق لشركة بناء ميتا في نهر هان في مارس اذار. وفي يونيو حزيران القى رئيس شركة غذائية نفسه من فوق جسر على نهر هان لتورطه في فضيحة انتاج اطعمة من خضروات فاسدة. ويعترف خبراء بصعوبة تحديد اسباب تصاعد حالات الانتحار غير انه يبدو ان احد العوامل تباطؤ الاقتصاد بعد ان تعثرت حالة الانتعاش التي قادتها بطاقات الائتمان قبل عامين. وقال لي «من الصعب تبسيط الاسباب. غالبا ما تزيد حالات الانتحار حين يضعف الانسجام الاجتماعي او في حالة حدوث تغييرات اقتصادية واجتماعية حادة.» وتابع «يزيد تنامى دين بطاقات الائتمان والمناخ الاقتصادي الاكثر صعوبة ونسبة الطلاق المرتفعة وتصاعد الصراع الاجتماعي ميل الناس للانتحار.» وقفز «مؤشر المعاناة» الذي وضعته وزارة المالية ويفترض ان يقيس تأثير المصاعب الاقتصادية على الناس لاعلى مستوى في 38 شهرا في اغسطس اب وفق احدث البيانات المتاحة. وقال سيو دونج وو الباحث في المعهد الكوري للشؤون الاجتماعية والصحية انه ينبغي على الحكومة ان تنفذ بشكل ملح مزيدا من انظمة الرعاية الاجتماعية في بلد لا يوفر الا القدر الضئيل من الحماية الاجتماعية. وقال «خلال السنوات العشر الماضية وصل اجمالي حالات الانتحار إلى نحو سبعين الفا.» ورغم المصاعب يقول يو ان عمله لا يضيع هباء «استطعنا مؤخرا جدا انقاذ رجل ثمل من الماء يبدو انه يعاني من مشاكل مالية. قمنا بتدليك قلبه وعمل تنفس صناعي. لا يضيع عملنا سدى دائما.»