برز لدينا في السعودية قبل سنوات بفيلمه الكوميدي الممتع والمجنون (الغبي والأغبى-Dumb and Dumber) ثم بدأ سيل أفلامه ينهمر في سوق الأفلام السعودي حتى أصبح -بالنسبة للكثيرين- رمزاً كوميدياً لا يمكن تجاوزه بسهولة.. هو «جيم كاري» النجم الكندي المولود في ولاية أونتاريو الكندية في السابع عشر من يناير عام 1962 لعائلة عاشقة للفن فأبوه عازف آلة الساكسفون وعاشق أصيل لموسيقى الجاز.. بدأ ميل «جيم» نحو الفن وعالم الكوميديا منذ سن مبكرة، فهو وحين كان في العاشرة من عمره قام بمراسلة أحد أشهر برامج الاستعراض التلفزيونية، البرنامج الأمريكي (استعراض كارول بيورنت-The Carol Burnett Show)، ثم لما شب عن الطوق قام بالمشاركة في الأندية والمقاهي ككوميديان يلقي النكت من على المنصة للجمهور، وفي أثناء ذلك كان يظهر هنا وهناك في عدة برامج تلفزيونية، وقدم نفسه كمقلد لأصوات وحركات النجوم المشاهير كالنجم الأمريكي الكلاسيكي «جيمس ستيوارت»، وعندما نال من الشهرة قسطاً يسيراً ترك مدرسته وغادر كندا متوجهاً صوب أمريكا، إلى ولاية لوس آنجلس، وهناك بدأ منذ العام 1979 مرحلة أخرى أكثر جدية وأكثر تألقاً نال منها شهرة ونجومية كبيرة أهلته فيما بعد لاحتلال مكانة بارزة في سماء هوليود كنجم كوميدي استثنائي.. مسيرة «جيم» مع السينما، والتي بدأت عام 1983، يمكننا تقسيمها إلى ثلاثة مراحل، المرحلة الأولى هي مرحلة الانتشار والتي قدم فيها أفلاماً تقترب إلى السخافة نوعاً ما، كما قام فيها بتأدية أدوار ثانوية مع نجوم كبار كمشاركته في فيلم (الكاديلاك الوردي-Pink Cadillac) مع النجم العجوز «كلينت إيستوود».. المرحلة الثانية هي مرحلة النجومية الحقة والكوميديا الصرفة التي ظهر فيها بأفلام رائعة لا تقدم شيئاً سوى الضحك والمتعة.. أما مرحلته الثالثة هي مرحلة النضج والتي حرص فيها على المشاركة في أعمال عظيمة لمخرجين كبار، وكأنما هو بحرصه هذا يريد أن يضمن له في سجلات الخلود موضعاً أكيداً وهو برأيي ما تحقق له خاصة بعد مشاركته في التحفة (إشراقة أبدية لعقل نظيف-Eternal Sunshine of the Spotless Mind).. بالنسبة لمرحلة «جيم» الأولى التي ضجت بأعمال كوميدية تافهة فهي لا تستحق أن نقف عندها طويلاً، إذ يكفي أن نشير إلى أنه قدم أكثر هذه الأعمال في كندا وبإمكانات إنتاجية متواضعة للغاية، أما أعماله الأخرى التي قدمها في أمريكا فهي وإن كانت أكثر جودة من أعماله الكندية إلا أنها كانت سيئة في الإجمال، وإن منحنا أنفسنا الحق في تحديد أبرز الأعمال التي قام ببطولتها آنذاك فيمكننا الإشارة بثقة إلى المسلسل الكوميدي (مصنع البطة-The Duck Factory) الذي قدم فيه شخصية فنان متخصص في رسم الشخصيات الكرتونية -كوميك-، أيضاً هناك فيلم الرعب (Once Bitten) الذي يسبح في فلك مصاصي الدماء لكن بأسلوب هزلي.. في ذات المرحلة الأولى التي استمرت حتى العام 1994، كان ل«جيم» مشاركات ثانوية وصغيرة جداً في أعمال نجوم كبار، وهذه الخطوة طبيعية في طريق الوصول إلى البطولة المطلقة وهي خطوة مرّ ولا يزال يمرّ بها معظم النجوم، ومن أبرز أعماله في هذه الفترة مشاركته في فيلم (الكاديلاك الوردي) مع «كلينت إيستوود» والذي شارك معه أيضاً في فيلم آخر هو الفيلم البوليسي (البركة الميتة The dead pool)) الذي أنتج عام 1988، أيضاً كانت ل«جيم» مشاركة أخرى مع المخرج الكبير «فرانسيس فورد كوبولا» عام 1986 في فيلم («بيجي سو» تزوجت-Peggy Sue Got Married) وهو فيلم رومانسي قامت ببطولته النجمة «كاثلين تيرنر» بمشاركة النجم المعروف «نيكولاس كيج» والذي قدم دور العاشق الساذج البليد الذي تقرف منه حبيبته وتهرب منه إلى عالمها الداخلي حيث تغرق في أحلامها.. كانت هذه أبرز محطات «جيم» خلال مرحلته الأولى.. الآن دعنا نتجه نحو المرحلة الثانية التي تعرفها جيداً، تلك التي حفلت بأفلامه الجميلة والممتعة والتي حققت له هذا الانتشار وهذه الشهرة الواسعة، بدأت مرحلته هذه عام 1994 حين قدم الجزء الأول من سلسلة مخبر الحيوانات الشهير «آيس فينتورا» والذي حمل عنوان (آيس فينتورا : المخبر المحبوب-Ace Ventura: Pet Detective) وفيه قام بدور المخبر العاشق للحيوانات والذي يكلف بمهمة التحقيق في قضية اختفاء «دولفين» يمتلكه أحد أندية كرة القدم الأمريكية، وفي هذا الفيلم رسخ «جيم» نفسه كنجم قادم يمتلك أسلوباً كوميدياً خاصاً واستثنائياً إلى حد كبير.. وفي أثناء نجاحه الطاغي، جاء «جيم» في ذات السنة 1994 بفيلم ثان أكثر جمالاً وإمتاعاً، هو فيلم (القناع-The Mask) الذي ظهر فيه بمعية النجمة الجميلة (كاميرون دياز)، وفيه يؤدي دور شاب يعمل في أحد البنوك المحلية ويعاني من وضعه المادي الذي لا يسمح له بمخالطة الجميلات اللاتي لا يجدن فيه ما هو مميز، فهو لا يمتلك شخصية جريئة، ولا يمتلك ثروة تغطي النقص الذي يعاني منه، لكنه في لحظة، وفي غمرة يأسه، يجد قناعاً سحرياً يجعله أكثر جرأة وأكثر حيوية، حينها يمتلك الثقة بالاقتراب من حبيبته الفاتنة (كاميرون).. ضربات «جيم» الممتعة لا تزال تتلاحق، حيث ظهر بعد ذلك في فيلمه الأشهر -ربما- فيلم (الغبي والأغبى -Dumb and Dumber) الذي يقدم فيه دور غبي منحوس يقرر هو وصديقه الأغبى منه السفر إلى مدينة أخرى بهدف إعادة حقيبة ممتلئة بالمال إلى امرأة كانت قد ركبت معه في الليموزين الخاص به ونسيتها فيه.. وخلال رحلة السفر هذه نسبح نحن المشاهدين مع هذين الغبيين في محيط كله مواقف طريفة ومضحكة للغاية.. هذا الفيلم هو الأكثر إمتاعاً في مسيرة «جيم» وهو تعاونه الأول مع ملوك الكوميديا المخرجين «الإخوين فارلي» والذي جدد تعاونه معهما لاحقاً في فيلم (أنا، نفسي وآيرينMe، Myself & Irene) عام 2000.. بعد ذلك، وفي العام 1995 كانت ل«جيم» مشاركة بسيطة ومميزة في أحد أجزاء السلسلة الفانتازية الشهيرة «الرجل الوطواط» والذي ظهر بعنوان (الرجل الوطواط للأبد-Batman Forever ).. ثم ظهر في ذات السنة بفيلمه الممتع (آيس فينتورا : عندما تنادي الطبيعة-Ace Ventura: When Nature Calls) الذي يقدم فيه مرة أخرى شخصية مخبر الحيوانات «آيس فينتورا» وهذه المرة يذهب إلى أفريقيا بعد أن قطع تأملاته الروحية في معبد بوذي ليبدأ مهمة التحقيق في قضية اختفاء خفاش تقدسه إحدى القبائل الأفريقية.. وهذا الفيلم ضعه مع فيلميه السابقين (القناع) وَ(الغبي والأغبى) كأفضل ما قدم «جيم» في مرحلته الثانية، مرحلة المتعة والضحك لمجرد الضحك، وهي المرحلة التي ستتوقف عام 1997 مع فيلم (المحامي الكذاب-Liar Liar).. ومن هذه النقطة ستبدأ مرحلته الثالثة حيث الجمال الفكري، وحيث الرغبة الملحة في الخلود.. ومع هذه المرحلة ستكون لنا وقفة.. لكن في محطة لاحقة..