لا يمكن اعتبار الحرية مفردةً تعني التخلص من القيود، بل الحرية أن تختار قيودك بنفسك. ليست الحرية أن تكون منطلقاً من دون قيدٍ أو شرط. كتبتُ قبل أيام تغريدةً هي اقتباس للفيلسوف والمترجم العربي"خليل رامز سركيس" قال فيها:" "الحرية بلا خبز جوعٌ... الخبز بلا حُريّة مجاعة". وعلّق الصديق الأستاذ محمد عبد اللطيف آل الشيخ قائلاً: " المجاعة تبدأ من الجوع ولاعلاقة لها بالحرية إلا عند الشعراء؛ هل تعتبر عام الرمادة في عهد عمر كان لفقدان الحرية مثلاً؟ المجاعة ظاهرة سببها اقتصادي بحت؛ فدعونا من هذه العبارات الحالمة، فلم يُسقط الدول الا الفشل الاقتصادي وليس الحرية" وهو تعليق سأعود إليه في هذا المقال لكن أعجبني رد الزميلة حليمة مظفر التي علّقت على أبي عبد اللطيف قائلةً: " هناك فرق بين جوع يفرضه الواقع الطبيعي وبين جوع تفرضه سياسة رديئة". من خلال السجال من الواضح أن الحرية ارتبطت بالفرد أكثر من الواقع. ثم إن الحرية تحضر في الاقتصاد والمجتمع والشارع وفي السلوك الشخصي، الحرية ليست فقط مرتبطةً بالأداء السياسي، ثمة بلدان ليس فيها حريات سياسية لكن فيها حريات شخصية مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وغيرها مثل بعض دول الخليج. حرية الدين مثلاً لا تشترط الديموقراطية، بل يمكن أن يوجد بلد فيها حريات دينية وهو أفقر دول العالم للديموقراطية مثل لبنان بديموقراطية التوافقية المهلهلة. عام الرمادة كان ظرفاً جغرافياً وطبيعياً ولم يكن ضمن سياق سياسي أو اقتصادي، لكن ارتباط الحرية بالجوع يعني أن التخمة لا تغني عن الحرية، وليس شرطاً أن تكون سياسية بل ربما كانت حرية اجتماعية فالحريات تتعدد وهي درجات، في أوروبا يمكنك أن تنتقد المسيحية بكل مقدساتها وتنتج عنها أفلاماً وكذلك في أميركا غير أن إنكار المحرقة مسألة خارج سياق حريتك الشخصية، من هنا تكون الحرية ليست مرتبطة بالسياسة أو الاقتصاد بل تتنوع وتتوزع سياقاتها وظروف حضورها. بآخر السطر، فإن الحرية لا تنمي الاقتصاد لوحدها بل الأفق العلمي والعملي الذي توفره الحرية هو الذي ينمي المجتمع والاقتصاد ويغذي المجالات المتعددة والمؤسسات المختلفة. أتفق مع الأستاذ محمد بجزئية وهي أن بعض البلدان لم تستفد من الحرية أو لم تنفعها الحرية بشكلٍ مباشر وهذا يعود إلى ضعف ثقافي وهشاشة في بنية المجتمع، وكان الفيلسوف روسو يقول:"الحرية شبيهة بتلك الأغذية الدسمة التي لا يقوى على تحملها أصحاب البنى الضعيفة"، لكن ليست كل حرية بل بعض الحريات في "بعض" المجتمعات.