الرياضة أصبحت حاضراً صناعة، لذا لم تعد متابعتها مقتصرة على الرياضيين، هناك آخرون ليسوا بالوسط الرياضي وأصحاب مسؤوليات كبيرة ومهام بعيدة عن الرياضة، لكنهم يعشقونها حديثاً أو منذ فترة. الوجه الآخر الرياضي لغير الرياضيين تقدمه «دنيا الرياضة» عبر هذه الزاوية التي تبحث عن المختصر الرياضي المفيد، وضيفنا اليوم هو الأكاديمي والشاعر الدكتور سعد بن عطية الغامدي: * هناك من يصف وينصف الشاعر سعد بن عطية الغامدي بأنه امتداد لأساطين الشعر العربي الفصيح، ماوجه الشبه بين أساطين الشعر وأساطير الكرة؟ - ربما أحسن الظن من هم هناك، وربما كان الشبه في الانتشار وإثارة ثواني الإعجاب، لكن أساطير الكرة حظهم في ذلك أوفر بما يحظون به من صناعة تنمو ووسائل تنتشر وجمهور في غاية الحماس لأن أداءهم في الميادين، بينما تتقلص ميادين الشعر والثقافة والكلمة. * بين عضوية اللجان الاجتماعية والاهتمامات العلمية إلى النشاط الثقافي وكتابة المقالات وإصدار الدواوين،تعدد الاهتمامات والمواقع هل يقلص من نجاحات وإنتاج الفرد؟ وهل يقاس ذلك على عالم الرياضة إداريا ؟ - العبرة بالقيمة المضافة، فكثير من الاجتماعات واللقاءات لا تضيف الكثير، ومن استثمر وقته في نفع الناس والارتقاء بقدراتهم فتلك المحصلة المحمودة، وفي كثير من الإدارات ما يشغل القائمين عليها عن هذه الإضافات النوعية، وفي عالم الرياضة كانت الأهمية تنصب على الوعي بتوظيف الموارد على نحو يحقق للفريق مكانة من الاحترام في الأداء والسلوك. * برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي هل ننتظر منه للوطن شيئاً جديداً ومفيداً؟ وهل ينسحب ذلك على احتراف اللاعبين خارجيا؟ - هذا البرنامج غني بالمنافع وفي مقدمتها الاغتراب للعلم والتفاعل الحضاري، وقد يحقق المزيد بحسن اختيار الطلاب نوعياً، وإعدادهم هنا جزئياً، والتحقق من حسن انتقاء الجامعات هناك، وإلحاق بعضهم في مؤسسات تمنحهم خبرة عملية يرجعون بها، والاحترافي النوعي هو سر النجاح في العلوم والفكر والرياضة، لكن برامج الابتعاث لا تضم الرياضة في مساراتها. * تذوقتم طعم الشهرة شاعراً وكاتباً فكيف تكون شهرة لاعبي الكرة طريقاً لتكريس السلوك الحضاري في حياة النشء؟ - الذي يعمل على تحقيق إنجازات ربما ينال حظه من الشهرة وربما لا ينال، أما الذي يعمل كي يشتهر فسوف يحترق قبل أن يحقق إنجازاته، فالعبرة بالعمل الجاد الرصين، والتواضع، والحرص على الخير، وهو في الرياضة أكثر إلحاحاً لكثرة الهتاف، والأضواء والضجيج. * مناهج التربية البدنية تغوص في الجوانب العلمية والنظرية كثيراً في كليات التربية هل تراه سبباً كافياً في ضعف مخرجاتها في مدارسنا ؟ - لا يمكن أن يتحقق نجاح عملي من غير تعمق في التعلم وفهم النظريات، ولا يمكن أن يحقق التعليم غايته وتؤتي النظريات ثمارها ما لم يكن هناك تطبيق مكثف، واختيارات عملية وممارسات منظمة تسهم في تأصيل المعرفة وتقويم الأخطاء، لكن لا أرى تلازماً بين هذين الجانبين هنا، فاللاعبون في الغالب هم خارج نسق مناهج التربية البدنية، أما الحديث عن مخرجات التعليم فلا يقتصر على التربية البدنية بل يشمل جميع المواد. * في الرياضة يحصد الفائزون والمبدعون الكؤوس، فما الذي يقابل ذلك لدى المثقفين المبدعين؟ - يحصدون رضا الناس عن أفكارهم ومناهجهم التي تضيف ما ينفع في حياة المجتمعات، وهناك إقبال اليوم على مزيد من التكريم الثقافي والإبداعي في أكثر من مجال. * نتاجك الفكري متنوع وغزير في مجالات هل باتت الرياضة لدينا بحاجة للبحوث والنتاجات الفكرية حتى تحقق الإنجازات ؟ - الرياضة لدينا في حاجة إلى المزيد من الانضباط، وإلى المزيد من الالتزام الإعلامي، وتنويع مجالاتها وجعلها أسلوباً مكملاً في الحياة وليست كل الحياة، وكما أن لكل نشاط في الحياة ثقافته، فللرياضة ثقافتها التي تحتاج إلى رواد وكتب ودراسات، وقبل ذلك نماذج يجد الناس من خلاله في الرياضة أكثر من الاستمتاع بمشاهدة اللعب. * يرى بعض المثقفين أن الناقد الثقافي يتأثر بالجوانب الشخصية مما يؤثر على عملية النقد سلباً وإيجاباً هل ينطبق ذلك أيضا على الناقد الرياضي؟ - بعض النقاد في الأدب ينطلق من موقف (موت الكاتب)، أي لا تعنيه شخصية الذي كتب النص، بل النص ذاته، وكذلك الرياضة من الإنصاف أن يكون النقد منصباً على الأداء وليس على الشخص، حتى يمكن أن تأخذ الموضوعية والمعايير العامة مكانها ومتى كان الاهتمام بالشخص فقط فسوف تجد كثيراً من الاختلاف بما فيها التلاسن، وقد ينساق الجمهور وراء من يتبنى التعصب ويشخصن النقد. * الاهتمام بأدب الطفل وثقافته لايكاد يذكر في الأندية الأدبية هل يسري ذلك على اللاعبين الناشئين في الأندية الرياضية ؟ - كثير من اللاعبين المشهورين كان الاهتمام بهم منذ الصغر، والنشء في الأدب وفي الرياضة وغيرهما هو رافد المستقبل الذي يمده بالعناصر التي تجعله يستمر، وثقافة الطفل في الصغر تُضيف الكثير إلى بناء شخصيته: لغته، وفهمه وسلوكه، وتكوّن أساساً قوياً ترتكز عليه طيلة حياته، وغياب الاهتمام ينعكس على ما نراه، مع أن هناك ما يسمى بالأشبال، لكن على نطاق محدود. * حطمت المسابقات الثقافية احتكار المنابر الإعلامية وأعطت فرصة للموهوبين للبروز والإبداع كيف نمنح مواهب الكرة السعودية الفرصة والثقة مجددا؟ - بكسر أي احتكار يمنع الكفاءات التي تستحق التقدير من أن تنال حظها، وجعل الرياضة قائمة على المبدأ المشهور: تكافؤ الفرص هذا إلى جانب قيام قنوات رياضية جادة تسعى في الارتقاء بالأداء الرياضي الرفيع. * كتبت العديد من الزوايا الصحفية في الصحف والمجلات السعودية والخليجية هل تتفق مع من يردد أن مساحة الحرية والجرأة في الصحافة الرياضية أكثر منها في أي مجال آخر؟ - لن ترى حرية أو جرأة في الرياضة وغير الرياضة متى كان الرقيب خارج ضمير الكاتب، فالحرية الحقيقية هي أن يعرف الإنسان حدود ما يقول وما يفعل في سبيل مصلحة عامة يقدرها هو، ويتفق معها الآخرون لأنها تهدف لمصلحة مشتركة لجميع الأطراف التي تحرص على البناء الإيجابي. * قلت ذات مقال "هذا الإعلام لا يثير حماس المشاهدين ولا يبعث فيهم أريحية النقاش والحوار ولا يؤلب فيهم المشاعر في الانتصار لفريق دون فريق بل يقتل المشاعر ويجمد الأحاسيس ويوقف نبض الافتنان لأنه إعلام الفريق الواحد" هل يشمل ذلك الإعلام الرياضي في عصر الفضائيات؟ - كل إعلام وراءه عصا أو جزرة، هو إعلام لا يجعل الحماس دافعاً إلى إبداع، بل يصف المتحاورين تبعاً لمنصات جرى إعدادها على نحو ما، وكأن هناك من يحرك ما يجري، وكأنك أمام مسرح له مخرج يقف خلف الستار. * قلت أيضا" يكثر الحديث في المقالات والمقابلات والحوارات عن التعايش وكيف نحققه وخاصة بين أصحاب المواقف الفكرية أو الفئات الاجتماعية وقد يصل المتكلمون إما إلى انفراج يحتفون به أو إلى طريق مسدود فيتبادلون التهم ثم يذهب كل منهم في طريق" هل ترى أن التعصب الرياضي لدينا بلغ مداه؟ - يبلغ مداه عند اشتداد المعارك، فترى الشوارع تغص بالهائجين، وترى أرواحاً ليست من الأرواح الآدمية، لكنها النشوة الآنية، ثم تعود إلى فتور حتى يأتي ما يحركها. ونحن نكثر الحديث عن: الروح الرياضية ونضرب بها المثل، ثم نفتقدها في أصغر منازلة، والتعصب المذموم هو ما أفضى إلى تجاوز حد الاحترام. * كيف صارت لغة المال والسهر طاغية على الإبداع والإخلاص عند بعض اللاعبين السعوديين؟ - لغة المال ولغة السهر إن تغلبتا فسوف تفسدان صاحبهما، ذلك أن المال الطيب صامت، والخبيث صاخب، والسهر حين يرتفع ضجيجه لا تجد صاحبه بعد عدة ليال، والإبداع يحتاج من المال إلى ما يرعاه، ومن الانضباط في السهر إلى ما يقومه. * الرياضة النسائية باتت تثير جدلا بين الحين والآخر بين مؤيدين ورافضين ومحايدين أين تقف؟ - مع أن تنال المرأة نصيبها كاملاً من الرياضة ومن الاهتمام بها، فهي أم الرياضيّ وأخته وزوجته وابنته، ولبدنها حق في الرياضة، لكن في حدود ما يليق بديننا وبثقافتنا التي نتقرب بها إلى الله، لا إلى سواه. * هناك من يحارب الشعر العامي علناً لأنه أفسد ذائقتنا للشعر الفصيح ماهي وصيتك للمعلقين الكرويين الذين افسدوا ذائقة المشاهدين؟ - كل ما أفسد الذائقة فهو منكر يجب بيانه، وخاصة التعليق الكروي، لأنه يجيّش المشاعر ويؤجج الأحاسيس ويشاهد من جماهير تقدّر بأضعاف أضعاف المهتمين بغيره ولذلك فكل مفسد للذائقة يجب إقصاؤه إن لم يحترم الناس، ولم يحترم نفسه! . * هناك الكثير من التصنيفات الغارقة في الإقصاء الاجتماعي،الثقافي والرياضي لماذا أصبح المجتمع محوطاً بها ؟ - كلما انشغل مجتمع بنفسه، وانصرف عن أمورٍ تقوم بها الحياة من تعلم وعلم وإنجاز، كان ذلك مما يسقطه أكثر وأكثر في أمراض اجتماعية تقضي عليه، وتزيده تمزقاً، ولا ينقذ المجتمع من الأمراض إلا قادة اجتماعيون ورياضيون وثقافيون وسياسيون من أبنائه يأخذونه إلى الرفيع من الأمور في حياته. * مواقع التواصل الاجتماعي جاءت لتكشف القناع عن الوجه الآخر للكثير من المشاهير وردود أفعالهم بعيداً عن أضواء التصوير ودبلجة المونتاج، فهل كشفت أيضا تناقضاتهم ؟ - هذه المواقع جعلتنا نعرف أكثر وأكثر من كنا نجهلهم لأنها تشبه برامج الواقع في التلفزيون، يظهر المرء فيها على حقيقته مهما حاول التزييف والظهور بمظهر آخر. * هل سبق أن اتخذت قراراً في حياتك وكانت النتيجة "تسلل" بلغة كرة القدم؟ - نعم، وكثيراً جداً، حين أقود سيارتي، لكن "ساهر" سيحد من هذا كثيراً. * ما هي المساحة الحقيقية للرياضة في حياتك؟ - كلما أشعر أنني بحاجة إليها، أمشي كل يوم وأسبح أحياناً، وأمارس بعضها في المنزل، وحين أشاطر بعض أولادي وبناتي تنس الطاولة أو ما شابهها. وتعود بي الذاكرة إلى زمن كنت فيه مدرساً للتربية البدنية في المدرسة وطالباً في دورات رياضية صيفية كل عام لإعداد مدربي التربية البدنية. * وأي الألوان تراه يسود منزلك؟ - أحب اللون الأسود في بعض المقتنيات الشخصية، والفاتح من الألوان في الأثاث، والأبيض في العلاقات الاجتماعية. * بطاقتان إحداهما صفراء لمن ترفعها وأخرى حمراء لمن تشهرها؟ - الصفراء: لمن يثيرون نعرات المجتمع بكل ألوانها وأقول: " أحذروا، فالتاريخ لا يزال حاضراً ولا ينسى! " . والحمراء: لمن يوظفون الدين لأغراضهم، وأقول: "توقفوا، فما كان الدين إلا لمن خدمه، لا لمن استخدمه".