"المهتم بدرس الأدب لا يمكن له ادعاء الوصول إلى قوانين" حسين الواد يضعنا الناقد حسين الواد، وهو أستاذ جامعي متخصص في الأدب العربي والمناهج النقدية، في قلب موضوع اهتمامه الدائم وهو شعر العصر العباسي، عبر نظرية التلقي* إذ يطلق عليها"التقبّل"، في كتابه "حرباء النقد: وتطبيقاتها على شعر التجديد في العصر العباسي"(دار الكتاب الجديد، 2011). وينشغل هذا الكتاب في مسارين أولهما، كتابة التاريخ الأدبي، ثانيهما تطبيقات نقدية يقومها نقدياً عبر نظرية التلقي -أو التقبل- التي تعد عماد مشروعه النقدي حيث استقر. ويعرف أن الواد اسم نقدي يندرج ضمن "حركة الطليعة"(1972-1986) وهي يجتمع فيها أسماء مثقفين ومثقفات من تونس، مثل: سمير العيادي ومحمود التونسي وأحمد ممّو ورضوان الكوني ومحمد مصمولي والشاعر الحبيب الزناد والشاعر الطاهر الهمامي، والشاعرة الفذة فضيلة الشابي ويوسف الحناشي وتوفيق الزيدي والمترجم الشاعر محمد عجينة والهادي بوحوش...(حكمت الحاج، البيان،2003). اتخذت "حركة الطليعة" -بوصفها تمثل السياق الثقافي المغربي- موقفاً من السياق الثقافي المشرقي بكونه "غارقاً في مستنقعين هما الوجدانيات والإيديولوجيا. وبقدر ما كنا نلتمس للشعراء الفلسطينيين الأعذار في إفراطهم في الإيديولوجيا، فهم أصحاب قضية لم تدافع عنها في الحقيقة إذذاك إلا نصاعة وجه الحق فيها، كنا لا ننتظر من الكتابات الوجدانية (كنا نسميها الكتابات المسيلة للدموع) والإيديولوجية (سميناها الجدانوفية) شيئاً مهماً"(الواد، البيان، 2003). وبرغم أن هذه الحركة تسبقها وتتجاور معها أكثر من حركة أسهمت في منعطفات ثقافية مثل: "جماعة كركوك (1964-1968) في العراق، وغاليري 68 وإضاءة 77 في مصر، وحركة الحداثة (1975-1988) في السعودية" وسواها، وتتعدد منابعها التاريخية والثقافية والحضارية غير أن "حركة الطليعة" ظلت بين مطرقة الجغرافيا المغاربية وسندان الثقافة الفرنكوفونية. وقد توجه الواد إلى التحصيل الأكاديمي من خلال تجربتيه في مرحلتي التعليم العالي عبر أطروحتي "البنية القصصية في رسالة الغفران" (1972)حيث استعمل فيها «الشكلانية والبنيوية الإنشائية» مقتصراً على دراسة الشكل الروائي للقسم الذي تحدث فيه المعري عن رحلة ابن القارح في الجنة واطلاعه على أهل الجحيم. وأما أطروحته التالية "في تاريخ الأدب: مفاهيم ومناهج" (1979) درس فيها مؤلفات «جرجي زيدان» و«مصطفى صادق الرافعي» و«طه حسين» و«أحمد حسن الزيات» في التاريخ للأدب العربي مظهراً أزمة تأريخ الأدب إيديولوجياً فاقترح منهجية"تاريخ العرب الأدبي". ووضع لاحقاً ما سيشكل مشروعه النقدي في نظرية التلقي أو التقبل –كما يفضّل- "في مناهج الدراسات الأدبية" (1982)، و"المتنبي والتجربة الجمالية عند العرب" (1987)، و "مدخل إلى شعر المتنبي" (1991)، و"تدور على غير أسمائها:دراسة في شعر بشار بن برد" (1992)، و"اللغة الشعر في ديوان أبي تمام" (1999). وعاد في دراسته "جمالية الأنا في شعر الأعشى الكبير" (2001) محاولاً استخلاص منهج من "نظرية التقبل" لا يدرس فيه المتون النقدية بل متون"شياطين الشعراء" للنظر في علاقة الشعر بالواقع. النقد حرباء بين النصوص وهو ما جعله ينفذ إلى متون تتوسل النقد برسم "البحوث الأكاديمية" درست الشعر العباسي في كتابه"حرباء النقد"(الكتاب الجديد،2011)، وحاول ملاحقة تلك الحرباء التي تنفث سمومها على وجوه النصوص الأدبية عبر خمسة فصول " كتابة التاريخ الأدبي، الأدب الحرباء، الحرباء المقنعة، تحت الحرباء حرباء، محاولات للانعتاق من شرك الحرباء". وقد آثر وضع مدخل لتلك التطبيقات النقدية عبر محاولة للنظر في كتابة التاريخ الأدبي عبر مؤثرات عدة: فأما المؤثر السياسي يساءل فيه الفارق بين "الثورة" و"الانقلاب" إذ يحتكم التاريخ الأدبي إلى انقلاب عباسي على بني عمهم ال "أموي" فليس إلا تنجيداً للكراسي القديمة بجديدة. تتورط حياله الدراسات بوهم الأثر المباشر للسياسي فيما لم يكن هذا الانقلاب إلا سلسلة مستمرة من تغيير شكلي للسلطة. وأما المؤثر الاجتماعي فهو يطرح أكثر من تهشيم لتلك الأحكام الظنية الرابطة بين السبب والنتيجة في أثرها على الشعر حيث يرصد تلك التهم السياسية-الأخلاقية مثل الشعوبية والزندقة والمجونية التي أوقعت بعض النقاد في محاولة واهية لتفسير الحالة الاجتماعية عبر الأدب! فهو يذكر أنه"يتحدث مؤرخو الأدب عن المجتمع العباسي وكأن جوهر النظام الاجتماعي لا يتمثل إلا في لهوه ومتعته ومعتقداته وما أبحرت فيه بعض فئاته من ألوان الانحراف"(ص 52) بينما يرى أن"الأدب يتلون بلون العصر وليس الشاعر أكثر من مَعْبَر لتأثير العصور في الآداب وتلوينها بألوانها" (ص 17). وأما المؤثر الاقتصادي فيرى أن مؤرخي الأدب يكتبون عن الأثر الاقتصادي الرغيد دون العناية ب"تاريخ الوقائع الاقتصادية"فهو خارج الاختصاص والمجال نفسه. وأما المؤثر الثقافي فهو يرصد اهتمام مؤرخي الأدب بمسألة تمازج الشعوب العربية مع الفارسية والكردية والهندية والأفريقية(ص61)، والاستقرار في البلاد المفتوحة أنتج حضارة (ص62)، والحرية النسبية للمثقف رغم أن المثقف كان ضحية عصره مثل : قتل بشار بن برد وابن السكيت وابن المقفع ، وسجن أبي نواس، وجلد وسجن أحمد بن حنبل، وصلب صالح عبد القدوس وعبد الكريم بن أبي العوجاء، والتنكيل بالمعتزلة(ص69-70). وأما المؤثر الحضاري فهو وقع تحت المفهوم الفضفاض الذي أسبغوه عليه حين الاعتماد عليه لنسبة كل تجديد أو توليد أو كسر عمود الشعر! وفي الفصل الثاني من الكتاب "الأدب الحرباء"يؤسس لمفهوم" النقد الحرباوي" الذي " لم يبحث في الشعر بقدر ما بحث في العلاقة التي تجعل منه صورة من حياة صاحبه وقائع وعقائد ونوايا ومن عصره بجميع ما يتجلى فيه من وجوه ظاهرة ومستورة"(ص 177). ورصد الواد أن "التحولات في المضامين والمعاني اعتبرها هؤلاء الدارسون مميزات نجمت عن العصر العباسي في اختلافه عن العصر الأموي"(ص 89). وعرض لأعمالهم البحثية الدائرة حول ذلك مثل الشعر العباسي: قضايا وظواهر(2008) لعبد الفتاح صالح نافع، واتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري(1963) لمحمد مصطفى هدارة، والتقليد والتجديد في الشعر العباسي(1991) لصلاح مصيلحي، وشعرية التفاوت: مدخل لقراءة الشعر العباسي(2002) لمحمد مصطفى أبو شوارب، وحركة الشعر العباسي في مجال التجديد(1994) لحسين خريس. ومما يلفت إليه موقفهم النقدي المتهافت من مسألة التجديد في الأغراض الشعرية كالغزل والهجاء والرثاء والخمريات، ويستوقفه ما ذكره هدارة من محاولة لتقسيم "الغرض الغزلي" إلى أربعة أنواع"التغزل المعنوي، والتغزل الفاحش أو العابث، التغزل بالمذكر، القصص الغزلي" وهي الوهم بأنها لم تكن سوى في العصر العباسي حيث إنه تأثر هؤلاء النقاد بمفهوم أن "الأخلاق ضد الغزل"(ص95) غير أن الواد نفسه لا يجهد ليضع أمثلة من الشعر العربي منذ القرن الخامس والسادس الميلادي ولكن سيذكر أن محاولات تفسير الواقع الاجتماعي بالشعر تفشل حين لا ترى في الغزل موضوعاً "يتغنى بالجمال البشري وإشادة به"(ص95) بغض النظر عمن كان مقصوداً بالغزل وصفته. ويرد ذلك إلى"ما يقرره الموقف الحرباوي، في عدم قدرته على التمييز بين المؤثر والمؤثر فيه، أن ما يوجد في الشعر لا بد أن يكون قد وجد في الحياة الاجتماعية"(ص95).