قبل أيام فتحت بريدي الإلكتروني لقراءة آخر الرسائل والتعليقات المهمة. وكما هو متوقع (مرة على الأقل في الشهر) وجدت رسالة تتهمني بالميل لكل ما هو أمريكي- وغربي بوجه عام - .. ولا أخفي عليكم لم يعد اتهام كهذا يؤثر في شخصي المتواضع؛ فغير أنني سمعته مراراً وتكراراً اكتشفت منذ زمن بعيد أنه يبنى من خلال نظرة ضيقة تضع الآخرين في قالب نموذجي صارم (.. يا أسود.. يا أبيض). ومن الطبيعي ان لا يسلم أي كاتب من الانتقادات - التي يصل بعضها لمستوى التجريح.. ولكن لو نجح أحدهم في إرضاء 80٪ من قرائه لعُدّ ناجحاً بكل المقاييس (رغم ان وصوله لنسبة 99٪ لا يعني سلامته من قارئ واحد يملك رؤية مختلفة أو فهماً خاطئاً) وخلال خمسة عشر عاماً قضيتها في تحرير هذه الزاوية تراكمت في ذاكرتي انتقادات كثيرة معظمها - في الحقيقة - آراء شخصية لا ترقى لمرتبة النقد. ومن الانتقادات التي تصلني بين الحين والآخر تكرار كلمة «أمريكا» و«أمريكي» و«الأمريكان» في مقالات الزاوية. غير ان المتأمل لطبيعة المواضيع نفسها يجد ان كلمات كهذه تأتي غالباً في سياق اكتشاف علمي أو إنجاز طبي أو ابتكار تقني - أو حتى ضمن مقال ينتقد سياسة «أمريكا» و«الأمريكان» في المنطقة! ولأن المجال العلمي هو التخصص الرئيسي لهذه الزاوية؛ فمن الطبيعي ان يتكرر اسم أمريكا أكثر من أي دولة أخرى؛ فمن أمريكا (وحدها) تخرج 40٪ من الأبحاث الطبية والاحيائية، و38٪ من الاكتشافات الفلكية والكونية، و37٪ من التجارب السريرية والمعملية، و35٪ من الأبحاث النباتية والحيوانية، و30٪ من الاكتشافات الفيزيائية، و35٪ من الإنجازات الهندسية، و26٪ من الأبحاث الكيميائية (وفي المتوسط العام تنتج أمريكا 35,8٪ من مجمل الإنتاج المعرفي لكوكب الأرض). وبناء عليه من الطبيعي ان يتكرر اسم أمريكا أكثر من بنجلاديش، وولاية فلوريدا أكثر من ولاية البنجاب، ومعهد ماساتشوستس التقني أكثر من معهد بريدة الفني.. وحين يخرج اكتشاف لعلاج السرطان من جامعة هارفارد أو ستانفورد تقتضي الأمانة العلمية ذكر الحقيقة كما هي (وليس تجييرها لجامعة صنعاء أو نيروبي (إرضاء للمشاعر السائدة)!! .. وبالإضافة إلى أنني شخصياً أفرق بين السياسة الأمريكية في المنطقة (والاكتشافات الأمريكية في مراكز الأبحاث) هناك سبب آخر يفرض (على وسائل الإعلام عموماً) تكرار كلمة أمريكا؛ فمن المقدر ان (40٪) من مجمل الأخبار العالمية يخرج من أمريكا وحدها - وكانت النسبة 72٪ حتى عام 1982م؛ وهذا يعني أنه (من الطبيعي جداً) ان يتكرر اسم «أمريكا» أربع مرات ضمن كل عشرة أخبار في أي صحيفة أو محطة عالمية.. بل نلاحظ انه حتى الدول المتفوقة علمياً وتقنياً (كاليابان وروسيا والسويد) تتخلف من حيث قدرتها الإعلامية على تسويق إنجازاتها العلمية والداخلية كما تفعل أمريكا (التي يساندها أيضاً عامل اللغة). ويصبح الوضع أكثر سوءاً حين تمتد المقارنة للمجتمعات العربية والإسلامية - حيث يجتمع الضعف العلمي مع العجز الإعلامي؛ ففي عام 2003م مثلاً سجلت شركة انتل الأمريكية (وحدها) 1592 اختراعاً مقابل 800 اختراع فقط (لجميع) الدول العربية. والمشكلة هنا ليست في عجزنا فقط عن مقارعة شركة أمريكية واحدة، بل وتخاذلنا في ايصال ابتكاراتنا (الضئيلة أصلاً) لوكالات الأنباء والصحف العالمية!!! ..إذاً من باب أولى انتقاد عجزنا العلمي وتخاذلنا الإعلامي بدل التحسس من (أسماء مجردة) تقتضي الأمانة العلمية إيرادها كما هي.. وأخبركم بصراحة، لم أكتب في حياتي مقالاً تكرر فيه اسم أمريكا ومشتقاتها مثل هذا المقال (20 مرة) ومع هذا أراه شخصياً من أكثرها حيادية ونقداً للذات!