أجمع السياسيون الفرنسيون على أن ستيفان هيسيل الكاتب والدبلوماسي والناشط الفرنسي الشهير الذي توفي يوم السابع والعشرين من شهر فبراير من العام الجاري عن سن السادسة والتسعين كان بحق رجلا استثنائيا من رجال القرن العشرين والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين.. فمن أجمل العبارات التي قيلت بشأن هذا الرجل تلك التي صدرت في تغريدة لوزيرة السكن الفرنسية سيسيل دوفلو ومفادها أن هيسيل كان يقرض الشعر بشأن القضايا التي يدافع عنها والهموم التي يحملها خلال الاجتماعات الكثيرة التي كان يعقدها في آخر أيامه. ومن يتفحص مسار الرجل يصنفه بدون عناء في عداد الشخصيات العالمية التي استماتت طوال أكثر من نصف قرن في الدفاع عن حقوق الشعوب المستضعفة والأفراد الذين يعانون من مظالم في حياتهم اليومية، وقد ولد الفقيد عام 1917 في برلين. وكان والده يهوديا من أصل بولندي. أما والدته فكانت ألمانية من أتباع الديانة المسيحية البروتستانتية. وهاجرت أسرته إلى فرنسا عام 1924 هربا من النازية.. حيث انخرط هيسيل في أيام شبابه في صفوف المقاومة الفرنسية إلى جانب الجنرال ديغول ضد المحتل النازي. ونما عنده الإحساس بأنه مواطن من مواطني منظومة حقوق الإنسان في أرض بلا حدود عندما شارك شخصيا في صياغة نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهو أحد النصوص القانونية الدولية التي تكرس مبدأ المساواة بين البشر حيثما يكونون وأيا تكن جنسياتهم وأجناسهم ودياناتهم ومعتقداتهم. إن كل الذين يعرفون هيسيل يصفونه بأنه محامي المستضعفين في الأرض من خلال نضاله اليومي وكتاباته. ومن هؤلاء العمال المهاجرون العرب الذين يقيمون في دول أوروبا الغربية.. ولا يزال كثير من الفرنسيين يذكرون وقوفه إلى جانب قرابة مائتي مهاجر من المهاجرين الأفارقة الذين اضطروا إلى الدخول إلى كنسية في باريس عام ستة وتسعين من القرن الماضي لأنه لم يكن لهم بيت يحميهم ولا حقوق تمنع طردهم. وتعرض هؤلاء العمال إلى الضرب والتعسف من قبل قوات الأمن الفرنسية. وباغت هيسيل في تلك السنة الفرنسيين بعد هذه الحادثة من خلال هدوء وصفه البعض ب" الصاخب " عندما ذكرهم بأن أهم شيء عند الناس هي كرامتهم وأن كرامة هؤلاء الأفارقة هي أهم شيء عندهم في الحياة وبالتالي كان لابد من صون هذه الكرامة. وهذا المبدأ سعى الرجل إلى التذكير به منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود في ما يخص الشعب الفلسطيني. بل إن هيسيل اهتدى من خلال تعامله مع معاناة الشعب الفلسطيني أن الغضب هو وقودهم وأنه لا يمكن لإسرائيل أن تقهر هذا الشعب نظرا لأن لديه تاريخا وذاكرة وكرامة. وقد رصد هيسيل كثيرا من الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني في كتيب شهير عنوانه" وقت الغضب" مما أغضب إسرائيل وجماعات الضغط المدافعة عنها. بل إن هذه الجماعات قادته أمام المحاكم واتهمته بمعاداة "السامية". واستطاع الفقيد الانتصار على المدعين عليه بتذكيرهم بأنهم غير مؤهلين لتوجيه مثل هذه التهمة إليه لأنه يهودي الأصل ولأن أسرته عانت من ويلات النازية. ومن المؤلفات التي وضعها هيسيل قبل ثلاث سنوات وساهمت في تسليط أضواء العالم عليه باعتباره صوت المستضعفين في الأرض كتيب في اثنتين وثلاثين صفحة وعنوانه "اغضبوا". وفيه يؤكد هيسيل أن بداية الانتفاضات تبدأ بالغضب الذي يتحول شيئا فشيئا إلى سيل جارف. وبيعت من هذا الكتاب ملايين النسخ وترجم إلى أهم لغات الكرة الأرضية. وقد استلهم كثير من الناشطين في بلدان الربيع العربي وناشطو حركة " المستائين " أو" الغاضبين" في العالم كثيرا من شعاراتهم وقناعاتهم من هذا الكتيب.