التقيت الأسبوع الماضي في إحدى المناسبات السفير فوق العادة ومفوض اليابان بالمملكة السيد جيرو كوديرا. ونحن عندما نلتقي أحداً من اليابان، حتى وإن لم يكن على هذا المستوى، ينتابنا شعور مزدوج. فاليابان تقع في الشرق الأقصى من آسيا بينما نحن في أقصى غربها. وهذا البلد يعتبر من أكبر مستوردي مصادر الطاقة في العالم ونحن من أكبر المصدرين لها. كما أن اليابانيون يشتهرون بحبهم للعمل وحرصهم على الانضباط الذي يتوارثونه عن بعضهم البعض. ونحن بدون شك حريصون على التعلم من هذا الشعب تلك الخصال الحميدة التي ساهمت في نقل اليابان من بلد فقير إلى ثالث أكبر اقتصاد في العالم. وهكذا وفي ظل هذه الأحاسيس المتناقضة سألت السفير عن الأسباب التي تحول دون تناسب حجم التبادل التجاري بين بلدينا مع حجم تدفق الاستثمارات. فالتجارة البينية بين المملكة واليابان وصلت في عام 2011 إلى 212 مليار ريال (57 مليار دولار). وهذا المبلغ الضخم يعود بالدرجة الأولى إلى ارتفاع حجم صادراتنا إليهم والتي بلغت في العام المشار إليه نحو 181 مليار ريال (48 مليار دولار) أي بنسبة 84% تقريباً من إجمالي حجم التبادل التجاري بين البلدين. ولذلك كان من المفترض أن تعوض اليابان عن العجز في ميزانها التجاري معنا بزيادة حجم تدفق استثماراتها إلى المملكة. وفي الحقيقة فإني لم أتلق جوابا شافيا على تساؤلاتي. ولذلك ظننت أن تطمينات السفير لا تعدو عن كونها مجاملات لا تسمن ولا تغني من جوع. ولكن لا. فالأخبار التي أتتنا من الدمام يوم الأحد الماضي، بعد لقاء أصحاب الأعمال السعوديين مع نظرائهم اليابانيين في غرفة المنطقة الشرقية، تفيد بتحرك مياه الاستثمارات شبه الراكدة بين البلدين. وهذا أمر مفرح. لأن الشركات اليابانية لم تكن فيما مضى متحمسة لنقل التكنولوجيا والاستثمار المباشر في بلدنا. فالكثيرون ربما يتذكرون عزوف تلك الشركات عن تلبية دعوة القطاع الخاص السعودي لهم لزيادة تدفق رؤوس أموالهم على المملكة - خلال زيارة وفد أصحاب الأعمال السعوديين لليابان نهاية عام 2007. وعلى أية حال فإن هذا التغير في الموقف الياباني لم يأت صدفة على ما يبدو لي. فاليابانيون معروف عنهم بأنهم يجرون حساباتهم بدماء باردة. ولهذا فإنهم في ظل تنامي القدرة الاقتصادية الصينية قد أصبحوا أمام خيرات صعبة. من ناحية أخرى فإن بلدنا اليوم يختلف عن عام 2007. فحسب بعض الدراسات فإن اقتصاد المملكة مرشح لأن يتضاعف بحلول عام 2050 إلى ثلاث مرات، أي أن حجمه سوف يصل وقتها إلى 3 ترليونات دولار. وبالتالي فإنه سوف يصبح الاقتصاد ال 18 الأضخم في العالم. ولهذا فإن اليابانيين ما لم يبدأوا اليوم برمي ثقلهم فإن الصين وغيرها سوف تسبقهم في وضع موطئ أقدام لها في هذه السوق الواعدة. ولذلك فعسى أن يكون مجيء السيد جيرو كوديرا، الذي وصل إلى الرياض لتمثيل بلده في 13 ديسمبر 2012م، قدوم خير وبركة على العلاقات الاقتصادية بين البلدين.