أبسط ما يقال عن عالم اليوم السياسي أنه عالم لا يستحي، وأنه يسير ويتحرك، ويتصرف بلا أخلاق.. وأعني بالأخلاق هنا: الأخلاق، والضوابط الإنسانية، والتي تعتبر عرفاً بين جميع البشر... هذه الأعراف، والأخلاق البشرية، تحللت وذابت في مستنقع الرذائل السياسية، التي تصنعها قوى هذا العصر التي خلعت رداء الحياء وأصبحت تتصرف عارية بلا ذرة خجل.. فمنذ أيام أعلنت إسرائيل عن زعلها، وغضبها، وثارت ثائرتها، وانتفخت غيظا لأن المناهج الدراسية للأطفال الفلسطينيين بها عبارات غير مهذبة، تؤذي إسرائيل، وتجرح كبرياءها، لأنها تلقن صغار الفلسطينيين سوء الأدب حين تشير إلى أن لهم أرضاً مغتصبة، وأن لهم أخوة وأبناء عمومة. هجّرتهم إسرائيل، وقذفت بهم إلى المنافي في مخيمات مسورة بالأسلاك الشائكة، والجوع الشائك، والبرد، والصقيع، والتشرد والضياع.. بينما يتنعم الأطفال الإسرائيليون، بالدفء، والأمن، والعافية، والشبع من خيرات تلك الأراضي، والمزارع، والمنازل، التي اغتصبها آباؤهم بحجة أنهم أبناء الله وشعبه المختار.. وأما الفلسطينيون فإنهم أبناء الشياطين والمردة وكل العرب، قذرون، ومنحطون، وأنجاس، وأطفالهم قنافذ، لا يستحقون العيش على ارض كريمة، وأن هذه الأرض الممتدة من النيل إلى الفرات إلى أماكن أخرى هي أرض يهوذا. *** ببساطة تريد إسرائيل أن يدفع اليتامى، الايامى، والأرامل، وكل المطاردين في الأرض، وكل الذين صادرت حرياتهم، واغتصبت ديارهم، تريد منهم أن يدفعوا فوق ذلك دمهم، وأن يمنحوا إسرائيل شهادة تقول : بأنها طيبة القلب، وأنها رحيمة، وكريمة، وحسنه النوايا والسلوك.. ألم أقل لكم إن العالم السياسي الذي نعيشه في منطقتنا، عالم يتفسخ، وتنزف من شرايينه دماء الحياء الإنساني، وإنه عالم مخبول يعاني من الصرع، والفصام، والاختلال الأخلاقي، وإنه عالم يزرع الرصاص، مكان الورد، والبغضاء والكراهية بدل المحبة، ويشّيد المعتقلات، والسجون، والمخافر بدل المدارس، والمستشفيات، وإنه يقطع اليد الطاهرة ويصافح الملوثة، ويقول للشعوب : إياكم نقتل وبكم وعلى قتلكم نستعين..!! ويقف إلى جانب الطغاة، والمجرمين فيمدهم في طغيانهم، وقتل مواطنيهم، بكل ما توصلت إليه العبقرية الإنسانية من وسائل الفتك والتعذيب لذبح الأطفال، والأبرياء، وقمع الشعوب، وإفجاعها، كما يحدث في إسرائيل، وما يحدث اليوم في سورية إذ يقف العالم كله شاهدا على هذا الفُجور والإجرام الوحشي البشع الشنيع .. والقوى الغربية والشرقية لا تكتفي بالتفرج بل تدعم هذا النظام بسخاء فاضح، حيث ناقلات الذخائر تتحرك في البر والبحر، والسماء لتُغدق عليه من وسائل الموت مالا يخطر على بال مجرم متمرس في الجريمة، ليحول بلده إلى مستوطنة للموت، والفجائع، والنواح، وإلى خرائب تقطنها أشباح الذعر، وتصفر بها رياح الفناء، والخراب .. هذا الموت، والقتل المجاني الشنيع الفظيع كله بمباركة الدول المتحضرة، بل ودعمها لهذا الطاغية، وزبانيته حيث سقطت كل الأقنعة، وأعلنت الباطنية عن ظهورها بكل صلف وغرور ووقاحة، فها هي إيران الفارسية التي تزعم محبة العرب في القدس، تقتلهم في دمشق وكل بلاد الشام كما قتلتهم في بغداد وكل العراق.. ليتكشّف لون الرباط الفارسي اليهودي غير المقدس المنبعث من قلب الضغينة والحقد الأسود على كل ما هو عربي..! *** ألم أقل لكم إن عالمنا السياسي اليوم عالم مختل، فاجر، وقح لا مكان فيه للقيم، والأخلاق الإنسانية، والفضائل البشرية، وأنه يتباهى بقله الحياء، فيبارك الطغيان، واجتثاث الشعوب واجتثاث تاريخها، ومسح ذاكرتها الوطنية، ومسح ثقافتها، وكل ما يتعلق بوجودها الإنساني.. إلى درجة أنه يحرم على الطفل أن يتحدث أو يقرأ عن تاريخه وعن أرضه وأهله، فذلك من الجرائم المحرمة التي يعاقب عليها المجتمع الدولي والعالم الإنساني المتحضر..!!