صابر.. كقطع غيوم تربعت وسط السماء السوداء برزت قسماتهم، ترى في ملامحهم البراءة.. تقرأ في نظرتهم الراحة الابدية.. الخلود راحلون الى دنيا السلام.. نائمون نوماً ابدياً لاينغصه قلق او هم او خوف!؟؟؟ كانوا يلعبون.. يمرحون.. وفي يد احدهم قطعة من خبز وفي فم الآخر شقفة من فاكهة. لم تعد ترعبهم اصوات المدافع فكانت الارض وقت اهتزازها.. وقت زئيرها مجرد موعد للدبكة عمدوا على ان يجارونها حتى تتناغم اصواتهم الغضة الصغيرة مع صوت القذيفة.. هو عالم.. هي دنيا.. كان ينظر ببعضهم الى بعض كأنهم ملائكة من نور كل واحد منهم يلقي بالتحية على من هم بالرحيل الآن ويعده باللحاق.. في الوجه الآخر للحياة جلست القرفصاء، استعرضت ملابسه التي اختارها للعيد.. تأكدت من حلوله في كراسة الواجب.. نظرت الى الغد من خلال اشعة شمس سقطت سهواً عبر فتحة نافذة مهترئة من جراء القصف، انتصبت واقفة نادت بأعلى صوتها.. صابر.. صابر هناك خطأ في الحل تعال وصححه... نادت مرة اخرى.. صابر تعال وارتد ملابس العيد فقد لا اراك وقت حضوره.. العيد.. وقت حضوره!؟ لم يعد لدينا عيد.. لم يتسع عالمنا السرمدي لفسحة ولو قصيرة.. للحظة فرح مغموسة بمرارة الاوجاع.. صابر.. هل صليت قبل ان تنام.. هل اطبقت جفناك وجسدك طاهر طهارة قلبك ذي الاحد عشر عاماً.. هل سافرت احلامك الوردية صوب الغد البعيد قبل سفرك هذا..؟؟؟؟.... ...... صدمة.. افاقت على طرقات الدفوف.. الليلة فرحك، ابهرتها الالوان.. ملأت نفسها الغبطة وهي ترى كل هذا لأجلها.. كل الحاضرين احتفالاً وابتهاجاً بها.. دخلت حياته.. كانت كاللبن الابيض، صافية.. طاهرة.. نقية لم تدنسها مغريات الحياة.. كانت بالنسبة له عالماً ملائكياً.. حار بينها وعالمها الناصع وبين عالمه المعتاد.. كانت له حبل النجاة لولا تدخل ما حوله من شباك البحارة!!! ............ حملت امتعتها ورحلت.. رفعت وجهها بقسمات طفولية الى السماء.. تمنت بقرارة نفسها ان ييسر لها الأمان.. الاطمئنان.. رأت بصيصاً من نور بعيداً نوعاً ما... تبعته... تبعته... تبعته... لكنه اتعبها... اتعبها.. انهاها جعلها اشبه ما تكون بورقة تحاول الصمود والامساك بفرع مستقيم حتى لاينتصر على عزيمة نفسها فتخور قواها وترى جميع الفروع معوجة!!! رحيل... صدرت حركة لها اصوات تنم عن موعد فرح لذلك المنزل الخائف... اجتمع الافراد حول مائدة بسيطة ولكنها تضم لقمة تسد جوع ولو انها على اصوات طرقات كأنها ايقاع قبيلة مغولية تحتفل بكبش للتو اسرته واشعلت النيران حوله وبدأت الرقص! كانت تجلس.. ترفع يدها الصغيرة. تدس اناملها الدقيقة اللقمة في حلقها في نظرتها احساس المودع.. لم تمهلها القذائف ان تمضغها... كأنها تحدٍ.. اختلطت قطرات دمعها بالطعام عندما طاشت من جبينها الصغيرة ذي السبع سنين وهي ترفع سبابتها وكأنها على علم بموعدها.. استشهدت على مرأى من والديها.. كأنها تقول لا وقت للطعام.. وداعاً.. هناك حيث الراحة الابدية لا قذائف... لا دخان... لا اصوات ترعب القلوب وتعصر الافئدة... اللقاء غداً...؟؟ ندم.. كتبت لها.... عزيزتي ( ) طوال تلك السنوات والاشهر وانت تنظرين لي بمنظار الجمود والانانية ولم تتوقفي عن مذمتي لحظة واحدة حتى نشرت كثيراً من البلبلة بين فرقتنا وانا صامتة وسيل من الاحساس ينتابني بين لحظة واخرى فاكتم وجعي واجفف ما استطع ان يفيض عبر مقلتي التائهة.. المصدومة بصداقتك واكظم كثيراً من الألم كي لا ادع للأورام بداخلي فرصة للانفجار.. واجدك اليوم تقفين امامي بضعف.. بندم... باحساس المسيء بحق بريء من تهم لفقت له حتى لاينجح.. حتى لايصل.. واقول لك هنيئاً ما حققته من نجاح بعد سعيك لوضع عثرات كثيرة امامي، فلم يعد يهمني ان اصل فقد خفق قلبي بشدة وهزلت حركتي من ثقل الهموم... وخفت حماسي وتلاشى طموحي فلم يعد امامي متسع من الوقت كي اواصل السير.. وداعاً. خذلان... موقف .... سارت عبر طرقات الحياة تعزف لحن الوفاء من خلال ناي حزين كان يرافقها.. كانت تحاول ترجمة اوجاعها من خلال المقطوعات هذه كي ترسم الابتسامة على الشفاه الصامتة... حاولت فك رموز الحيرة.. القلق التي سكنت اضلعها.. لم تستطع...!!! رحلت الى عالم آخر مليء بأشياء كثيرة... كبيرة انغمست باعماقها...ولم تنس تلك العيون الصديقة وهي تبكي لفراقها.. انغرست بوجدانها.... فكرت بالعودة اليها.. حاولت ولكن.. عند وصولها عند اندساسها عبر تلك الارواح لمست جفافها.. اقشعر جسدها فلم تكن دافئة كما كانت بل تبدل حالها... صارت تنظر اليها بحقد.. وبنظرة اخرى... اتهمتها بالجمود.... هي صدمت لتبدل حالها.. هي حزنت لذلك.. هي علمت بأن هناك من نشر السم بين القلوب....