حين أقول "صورة بطاقة الأحوال!" مع ابتسامة، فهذا يعني أني لست محتاجة لنسخة من بطاقتك الثبوتية؛ ولكن ما أقصدها هي الصورة الموضوعة بالبطاقة والتي بسببها يستلم الكثيرون ببالغ حزن وأسى ذلك الإثبات، وتسيطر عليه مشاعر ألم ترافق صاعقة ما يفاجأ به من واقع مرير لمظهره وملامحه فيها، وتُصور له هواجس ووساوس نفسه أن من تجلى أمام كاميرتهم التي التقطت الصورة هو ذاك القرد الراقد داخله ولم يعرف عنه ما يكفي إلا في تلك اللحظة المريرة. مما رأيت بأم عيني أو بالأصح سمعتها صرخة فتاة في مقتبل العمر، وقد صعقت من هول ما رأت حين تسلمت البطاقة، وكانت تتحدث مع أخرى برفقتها تكبرها سناً قالت لها: مستحيل! وخانها التعبير فصمتت ثم استطردت، ومدتها طويلة أيضاً، كيف سيراني فيها من قد سيخطبني خلال هذه الفترة، ويعتقد أني بتلك البشاعة بالتأكيد سأعنس، أو أطلق قبل إتمام مراسم الزواج، وغطتا في غيبوبة ضحك طويل، لا أدري هل هو أنس أو هستيريا بعد الصدمة. ومن الواقع المشهود دائماً حين تشهر تلك الوثيقة الرسمية للمطابقة تلمح في عيون المقارنين نظرات شفقة، والطيبون منهم يحاولون المواساة بعيونهم ويحاولون إعادتها لك في أسرع وقت، أو يقلبونها على وجهها فيما لو اضطروا لوضعها على طاولة أمام الآخرين وكأنهم يطلبون أجر وثواب من يستر على مسلم فيستره الله في الدنيا والآخرة. يقول أحدهم: من فرط ما شككت بنفسي باتت لدي عادة أفعلها بشكل لا شعوري، وهي النظر لبطاقة من أجد فيهم الكثير أو حتى بعض الوسامة والجمال لأتأكد هل العيب في ملامحي وأن لها حقيقة مرة لم انتبه لها قبل ذلك، والوضع لا حل له إلا بالخضوع لأسرة ومشارط عيادات تجميل عند الخوف من عقدة نفسية تتطور في كل مرة تقع فيها العين على البطاقة، أو تواسي نفسك وتؤنسها بجملة "أهم شيء الأخلاق وحب الوطن"، أو كي ترضي غرورك افتح السيرة أو استأذن من واثقين وترى أن لهم الحق في هذا واسأل عن تلك الصورة وستجد لديهم نفس المعاناة المريرة، ويجف ريقهم ويتلعثمون ويتهربون من التجاوب مع طلبك للنظر لبطاقاتهم الجديدة، ويبدؤون بالتبرير والتمهيد لك لما سوف تراه، ولسان حالهم يقول: (استر علي الله يستر عليك)، واحد ذو وجه حسن يقول: بكل الأحوال أحلى ما في الموضوع أن من سيراها رجال الشرطة والمرور فما يضرها أن تكون بشعة ليصدموا، وأنا يكفيني أني رأيت صور إخواني وأصدقائي ومَن عرفتهم بصور بطاقاتهم، أما الفتيات فجاءت إجاباتهن تسري عن النفس، قالت واحدة: صورتي بالبطاقة كأني مروعة، وأخرى تقول: صورة واحدة متوفاة، والمضحك البرودكاست على البلاك بيري الذي يقول: (سموها بطاقة أحوال عشان كل اللي يشوف صورته يقول:"لا حول ولا قوة إلا بالله")، المعنى مجازي ولكن قاله بمرح وخفة دم ممن عانى نفسياً، كما يبدو من واقع صورته في بطاقة الأحوال، وشر البلية ما يضحك، ولكن الحقيقة هي مادة كتبتها لتزرع الابتسامة، وتكسر روتين وجدية ورسمية أفكار المقالات، ويكفي أنها عن أوراق إثبات رسمي، وبكل قوة وصرامة وجدية وبلا حسابات للمزاح الأهم والفخر والميزة والعقل يقول: ارفع رأسك أنت سعودي.