لعلي أكون واحداً من الأغلبية الساحقة الصامتة التي تستمتع بالصراع بين المتشددين الرياضيين. من السهل التنبؤ بأن التلاسن الذي دار قبل عدة أيام بين اللاعب السابق فهد الهرفي وخصومه قد حظي بأكبر متابعة واهتمام مقارنة بكل الأحداث التي جرت بإزائه. الكورة بلا تعصب مثل أكل المستشفيات. حشو خانس لا طعم له. ما الذي استفيده عندما أشجع الهلال ضد النصر أو العكس. الميول الرياضية تعبير لعصبية محدثة. حكاية الكورة فن وأخلاق أو (الكورة ذوق وما أدراك ما ذوق) هذا كله يدخل في باب الكلام الفاضي الذي لم نر له تطبيقاً على سطح الأرض حتى الآن. لم نشاهده في إنجلترا ولم نشاهده في السويد ولم نشاهده في ساحل العاج. يمكن القول إن التعصب السعودي في المجال الرياضي هو أخف أنواع التعصب مقارنة بالتعصب عند شعوب أخرى نمتدحها كل يوم بأنها متحضرة ومتمدنة. لا يتعدى زمن المباراة ساعة ونصف الساعة وعدد المتنافسين داخل الملعب اثنين وعشرين شاباً يساندهم ثلاثة حكام. المباراة الطويلة والمعقدة تجرى بين الحشود في المدرجات ثم تمتد إلى وسائل الإعلام والتجمعات. لن تسمع في وسائل الإعلام أو في التجمعات شيئاً جديداً يختلف عما قيل عن المباراة السابقة أو مباريات السنة السابقة أو مباريات أقيمت قبل ثلاثين سنة. نفس الكلام ينتقل من جيل إلى جيل ومع ذلك لا تجف متعته. أجمل ما في الموضوع ويمدني بمتعة لا تدانيها متعة مشادات طائفة من المعلقين الرياضيين. اطلق عليهم لقب الحكماء. يضعون انفسهم في موضع المحايد الذي يعتمد على (قل الحق ولو على نفسك). تمتلئ مقالاتهم بصيغ وعظية بليدة هجرها حتى كبار الدعاة. هذه الصيغ لا تستطيع أن تخفي الحقيقة. تحس وانت تقرأ او تستمع لهم أنهم متعصبون ومفعمون بالغل والكراهية والحقد على الفرق الأخرى. تداهمهم الحكمة إذا انهزم فريقهم. لكن مع ذلك يتصرفون بفوقية. يعاملون الفريق الخصم كطفل أو قاصر أو شيء لا يستحق الفوز. تتسم عباراتهم بالرفعة وتمتلئ بالتوجيه والمديح الزائف. تقرأ لأحدهم يقول: (( بعد طول معاناة فاز الفريق الفلاني وحقق لجمهوره ما كانوا يصبون إليه منذ سنين وقد تأتى ذلك لأنه ابتعد عن المهاترات والتصريحات والاتهامات وعمل بتخطيط وصمت.)) هذا الكلام في الواقع شتيمة جرت على لسان حكيم. عيرهم بأنهم ثرثارون وقليلو صبر ولا يعرفون فن الإدارة. وإذا تتبعت كتاباته سترى أنها تشي بقصور الطرف الآخر والتكبر عليه. فعندما يحاول اظهار التواضع تراه يقول: ((الفوز على الفريق الفلاني - يقصد الفريق الذي يشجعه هو - ليس مستحيلًا. التخطيط الجيد والعمل الدؤوب كفيلان بتحقيق هذه الأمنية الغالية.)) اما إذا طالت مأساة فريقه وتكالبت عليه الهزائم عندئذ تتفاقم غيرته الوطنية. يصبح الدوري لا قيمة له ويجب علينا التركيز على المنتخب. يحشو فمه بعبارات مثل سمعة الوطن ورفعة الوطن ومكانة الوطن. يناشد ويطالب ويتباكى ولا ينسى ابدا أن سبب هزائم المنتخب صحافة وإعلام الفريق الفلاني والدلال الذي يحظى به ذاك الفريق دون الفرق الأخرى. وكما لا يخفى ف(الأخرى) هنا تعني فريقه.