معدلات البطالة الحالية مقلقة وأعداد العاطلين يتزايد بوتيرة عالية رغم تحقيق الاقتصاد معدلات نمو مرتفعة نسبياً، فقد بلغ عدد طالبي العمل السعوديين في القطاع الخاص المسجلين في برنامج "حافز" 1.16 مليون عاطل في نهاية الربع الأول من عام 2012، بينما تشير نتائج مسح القوى العاملة في دورته الأولى (النصف الأول من عام 2012 ) الصادر عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات إلى أن عدد العاطلين السعوديين لا يتجاوز 603 آلاف عاطل وعاطلة (244 ألف ذكور و359 ألف إناث) يمثلون 12.1% من إجمالي قوى العمل أي أن معدل البطالة بين السعوديين لا يتجاوز 12,1%. ويلاحظ الفرق الكبير بين عدد العاطلين السعوديين في نتائج مسح القوى العاملة الذي أجرته مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات (603 آلاف عاطل) وبيانات برنامج حافز (1,16 مليون عاطل). لكن المثير للاهتمام والذي قد يتطلب من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات مزيداً من التوضيح أو التدقيق والمراجعة هو عدد السعوديين المشتغلين البالغ نحو 4,4 ملايين مواطن، لأن هذا العدد يبتعد كثيراً عن بيانات وزارة العمل التي أشارت إلى أن السعوديين العاملين في القطاع الخاص لا يتجاوز عددهم 844.5 ألف في نهاية عام 2011م (يمثلون فقط 10,9% من إجمالي القوى العاملة في القطاع الخاص). وحتى لو استبعدنا عدد السعوديين العاملين في القطاع الحكومي فلن يقل عدد السعوديين المشتغلين وفقاً لبيانات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات عن 3,2 ملايين مواطن. والمشكلة الأعمق والأخطر أن معدلات البطالة في بيانات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات الأكثر تحفظاً تعد مرتفعة جداً ولا تنسجم مع خطط التنمية الصادرة عن وزارة الاقتصاد والتخطيط وتحديداً عن مصلحة الإحصاءات نفسها. حيث أشارت خطة التنمية التاسعة (2010م-2014م) إلى أن معدل البطالة المستهدف للسعوديين هو 5,5%. والسؤال هو كيف يمكن تخفيض معدل البطالة الرسمي من 12,1% إلى 5,5% خلال السنتين القادمتين. والملفت للانتباه أن هذه ليست المرة الأولى التي تبتعد فيها كثيراً معدلات البطالة الفعلية عن معدلات البطالة المستهدفة، ففي الخطة الخمسية الثامنة (2005م-2009م) كانت معدلات البطالة المستهدفة للسعوديين عند 2,4%، بينما بلغ متوسط معدل البطالة الفعلية للسعوديين (حسب البيانات الرسمية) 9,6%، ولا يعرف تحديداً إذا كانت مؤشرات الخطط الخمسية مجرد آمال وطموحات، أم أن هناك خططاً مدروسة فشلت الجهات الحكومية المعنية بتنفيذها. وتخفيض معدل البطالة إلى مستويات قريبة من المستويات المستهدفة في الخطة الخمسية التاسعة يتطلب خلق أكثر من 1,5 مليون وظيفة، وذلك أخذاً بالاعتبار وجود أكثر من 925 ألف طالب وطالبة في مرحلة ما بعد الثانوي (بكالوريوس ومعاهد متخصصة) ونحو 130 ألف مبتعث، وهؤلاء متوقع دخولهم سوق العمل خلال الخمس سنوات القادمة. والوقت ليس في صالحنا، فهناك أكثر من 1,48 مليون طالب وطالبة في مرحلة الثانوية العامة. والقطاع الحكومي غير قادر على خلق فرص وظيفية لأكثر من 1,5 مليون سعودي خلال الخمس سنوات القادمة. فعدد العاملين في القطاع الحكومي بلغ 998 ألف في نهاية عام 2011م لاسيما أن السعوديين يمثلون 92,1% من إجمالي عدد العاملين في القطاع الحكومي. أما القطاع الخاص، فيعاني من مشاكل هيكلية يتعين البدء بمعالجتها من الآن. وأبرز المشاكل يتمثل في سيطرة العمالة الوافدة على أجزاء كبيرة منه. وتصحيح هيكل سوق العمل في القطاع الخاص لا يبدأ من وزارة العمل، بل من وزارة التجارة والصناعة، فالبيانات الرسمية الصادرة عن وزارة العمل ووزارة التجارة والصناعة تؤكد على أن عدد المؤسسات والشركات القائمة بالمملكة أكثر من عدد السعوديين العملين في القطاع الخاص. فقد بلغ عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص 844.5 ألف عامل بنهاية عام 2011م، في حين بلغ إجمالي عدد الشركات والمؤسسات التجارية العاملة في المملكة بلغ مليون و88 ألف مؤسسة وشركة بنهاية عام 2011م. ووفقاً لوزارة العمل يوجد نحو 340 ألف منشأة تقتصر السعودة فيها على المالك ولا يعمل بها أي سعودي آخر. وهناك تساهل في عملية منح التراخيص للمؤسسات والمحلات التجارية من قبل وزارة التجارة والصناعة وبلديات المناطق في المملكة، فالمعايير التي يتم على أساسها منح التراخيص لا تقوم على أسس اقتصادية، وإنما مجرد استيفاء شروط إجرائية. وقد أدى ذلك إلى ضعف ربحية الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وتعذر على المواطنين إدارة المشروعات الصغيرة بسبب انخفاض ربحيتها، وهو ما فتح المجال أمام العمالة الوافدة غير المدربة - وغير الشرعية في بعض الأحيان - لفرض سيطرتها على جزء مهم من القطاع الخاص، هذا الجزء هو المصدر الرئيس لتغذية الطبقة المتوسطة، وأهم الأدوات الاقتصادية لتقليص حجم البطالة والطبقة الفقيرة.