لا أحد ينكر جهود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو يزايد على حرص أعضاء الهيئة ومسؤوليها في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة؛ رفقاً وليناً وترغيباً وستراً، إلى جانب تطبيق النظام على المخالفين، والتنسيق مع جهات القبض الأخرى، كذلك الجهات الأمنية والإدارية في إمارات المناطق. وهذا الجهد البشري الدعوي يعترضه الخطأ، والزلل، وربما أكثر من ذلك الحماس المفرط المؤدي إلى الشدة، والعنف، والاستعراض أمام الناس في الأماكن العامة، كما في الوقت نفسه يعتريه الصواب أثناء التصدي للمفسدين؛ ممن يروجون المخدرات، ويصنعون الخمور، ويبتزون الناس في أعراضهم، ويفسدون بيوتهم بالسحر والشعوذة والأكاذيب. وهذا التباين في الأداء يبقى طبيعياً كما هو الحال مع أي مؤسسة حكومية أخرى، ولكن الإشكالية أن خطأ عضو الهيئة يرتبط في أذهان المجتمع بالدين، بينما الموظف الحكومي الآخر يكون محسوباً على النظام، وأياً كان الاتفاق والاختلاف حول هذا التحليل، إلاّ أن المقرر أن هناك فجوة بين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين المجتمع، وهذه الفجوة مرتبطة بالصورة النمطية التي لا تزال راسخة في أذهان الناس، وتحتاج إلى جهود كبيرة لتقليلها، وتقريبها، وربما أكثر من ذلك إلى تغييرها، من خلال مثلاً الشكل الظاهري لعضو الهيئة، ومدى إمكانية تغيير الزي، والتخلي عن المشلح لتخفيف وطأة الهيبة بالاقتراب من الناس أكثر، وطريقة المشي في الأسواق بأسلوب البحث والتحري إلى إمكانية افتتاح مقار داخل هذه الأسواق، ويكون التحرك مرهوناً بالبلاغ. الصورة النمطية وقال "د.أبوبكر باقادر" -أستاذ علم الاجتماع- إن المجتمع بحاجة إلى توعية بأدوار الهيئة، كما على الهيئة أن تقترب من الناس؛ لأنها جزء منهم، وتعمل من أجلهم، وهي مؤسسة حكومية هامة، وتعزز من مظاهر القيم والأخلاق في المجتمع، كما لها أدوار مهمة لملاحقة بعض الفاسدين من مصنعي الخمور، ومروجي المخدرات، أو ممن يعملون في بيوت الدعارة، مشيراً إلى ضرورة أن يكون للهيئة دور فاعل بعيداً عن التشدد، إلى جانب الرفق واللين مع المدعوين، وتغليب الستر. خطأ «العضو» يرتبط في أذهان الناس ب«الدين» بينما الموظف الحكومي يكون محسوباً على النظام وأضاف أن تحديد زي محدد لرجال وأعضاء الهيئة كما في زي رجال الأمن أو بعض الوظائف؛ سيغيّر كثيراً من الصورة النمطية التي أُخذت عن رجال الهيئة من ارتداء المشلح، وهي الصورة التي ربما تنفر البعض منهم، موضحاً أن تحديد زي معين كزي رسمي لرجال الهيئة سيجعل الصورة أفضل، كما في "بوليس الآداب في بعض الدول الأخرى"، والتي يخصص لها زي موحد ومحدد تُعرف به، حتى يكونوا معروفين، كما أنها ستسهم في الحد من المتطوعين الذين قد يمارسون بعض الأخطاء في الأماكن العامة مع أفراد المجتمع لمجرد الاشتباه والشك. وأشار إلى أن الصورة التي يخرج بها بعض رجال الهيئة في الأماكن العامة بمشلح وبجواره أعضاء آخرين ورجل أمن؛ تعد صورة نمطية لا تقرب الناس إليهم؛ لأنها ارتبطت بمواقف سلبية سابقة، خاصة إذا كان رجل الهيئة غليظاً مع من يسيء للسلوك العام. سوء الظن! ولفت "د.باقادر" إلى قضية سوء الظن من دون دليل حسي، حيث تعد من أخطر ما يؤثر على الصورة النمطية على الهيئة، فمثلاً حينما نجد رجلا يسير برفقة امرأة إذا لم يبدر منهما أي إساءة أو خروج عن الأدب العام فلابد أن لا يوقفوا بصرف النظر عن من يكونان، أما إذا بدر منهما ما يؤذي الذوق العام فلابد من الضرب على أيديهما. وقال:"الغرض هنا ليس عقاب الناس، وإنما جعل المجتمع أكثر انتظاماً، وأن لا يتحرش ذكر بأنثى، أو لا يكون هناك أنثى متبرجة للفت انتباه الشارع العام"، داعياً أن يكون رجل الهيئة بشكل ظاهري مقبول لدى عامة الناس، وأن يكون شخصية قريبة منهم، وتنصحهم باللين من دون تخويف أو شدة، إلا لمن يلحق الضرر بالمجتمع بشكل مؤكد وليس ظنياً. وأضاف أن تحديد زي محدد لرجال الهيئة سيكون قراراً إيجابياً، حيث لا يستطيع أحد أن يتخفى باسم الهيئة أو من رجال الحسبة فيرتكب أخطاء تحسب على الهيئة، كما نرجو إبراز بطاقة العمل، مؤكداً على أن البشاشة والوعظ والإرشاد بإحسان هو الأسلوب المجدي لتغيير الصورة النمطية. دورات توعية وتثقيف ويختلف "د.سلطان فهد الطبيشي" -أستاذ قسم الثقافة الإسلامية والسنة النبوية بجامعة الملك سعود- مع ما ذكره "د.أبوبكر باقادر"؛ حول ضرورة أن يتميز رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بزي محدد ومعين يميزهم عند عامة الناس، مشيراً إلى أن عملهم في القديم لم يلزم تميزهم بزي محدد؛ لأن ذلك قد يسبب لهم حرجاً أكثر، معللاً أن الموظف الحكومي يرتدي الثياب العادية وليس هناك مايميزه في الشكل الظاهري عن أي مواطن آخر، بل إن تخصيص زي محدد لرجال الهيئة عن الصورة النمطية لهم سيزيد من حدة نفور الآخرين منهم، ولكن حينما يرتدي الثوب العادي والمشلح؛ فإن ذلك لن يخلق ردود فعل لدى المجتمع؛ لأن ذلك لبس موظفي الدولة المعتاد، كما أن رجال الهيئة يختلفون عن رجال الأمن أو المرور وغيرهم؛ لأن لهؤلاء الموظفين نظام عمل مختلف فلابد من زي محدد لهم. وقال:"لابد من التنبه إلى أن كل موظف في الدولة معرض للوقوع في الأخطاء، وذلك ماينطبق على رجال الهيئة، ولكن للأسف هناك من يفاقم تلك الأخطاء بشكل مبالغ فيه، على الرغم من أن جميع موظفي الدولة معرضون للخطأ؛ فالشرطي قد يقع في الخطأ، وموظف الجوازات كذلك، والموظف العادي، إلاّ أن البعض حاول أن يفاقم أخطاء الهيئة على الرغم من أن الخطأ وارد"، مؤكداً على أن رجل الهيئة يحتاج إلى دورات توعية، وكذلك المواطن عليه أن يخضع إلى دورات لكيف يقترب من عمل الهيئة؛ فكلا الطرفين يحتاج لدورات لتقبل الآخر، ومع مرور الوقت ستزول الفجوة الموجودة بين الطرفين. تطبيق النظام أهم وأوضح "د.عبدالمنعم القو" -رئيس قسم المناهج وطرق التدريس بكلية الدمام وكاتب صحفي- أن تحديد زي موحد يعود في المقام الأول إلى تنظيم الجهة الحكومية؛ فليس من الضرورة أن تكون جميع الجهات الحكومية على زي واحد؛ فهناك المدرس والموظف الحكومي ليس له زي، ولكن في بعض الوظائف الأخرى حُدد لها زي موحد بما يتناسب مع هوية العمل، حيث إن توحيد الزي أمر داخلي يتعلق بالجهة الحكومية مع وجود أنظمة تحكم العمل. وقال:"لا يوجد إلزام لأي جهة حكومية بتوحيد زيّها إذا ما كانت تؤدي دورها الذي يتطلب منها، من خلال واجبات العمل؛ فبما أن هناك رضا من الجهة المسؤولة عن موظفيها بزيهم فإنه لا إشكال موجوداً في عدم وجود زي موحد، وذلك ما يسري على وزارة التعليم ووزارة الحج ووزارة التجارة وغيرها من الوزارات، ومعاملة رجال الحسبة على اعتبار أنهم رجال أمن ولابد من توحيد زيهم؛ فإن ذلك عائد إلى الجهة الحكومية التي يرجعون إليها؛ فإذا ماوجدت المنفعة من توحيد الزي فهي من تقرر وتحدد ذلك". وأضاف أن الزي الذي ترتديه الهيئة في الوقت الحالي يدخل ضمن التراث الإسلامي، ولكن الأهم ليس في الشكل، وإنما في التقيد بالأنظمة واللوائح التي تفصل بين المواطنين الذين يتعرضون لمواجهتهم، فمثلاً عضو الهيئة ينهى عن منكر يراه، وكذلك موظف وزارة التجارة ينهى عن مخالفة يراها؛ فيجب أن لا نطالب أي جهة بتوحيد الزي إذا لم ترغب الجهة المعنية بذلك؛ فالمجتمع لا يكترث بتوحيد الزي بقدر تطبيق النظام. الاشتباه ليس كافياً في إيقاف المتسوقين (أرشيف «الرياض») زي عضو الهيئة وتنقله داخل السوق لا يزال يمثل صورة ذهنية في المجتمع د.أبوبكر باقادر د.عبدالمنعم القو