يمكننا القول إن أمريكا هُزمت عسكرياً في فيتنام، وتكرر السيناريو مع العراق وأفغانستان، وإن القوة ليست دائماً المشروع الذي يحقق الإنجازات والأهداف طالما البديل المقابل لديه سلاح المقاومة، والتعلم من داخلها كيف يتم نسج الخيوط التي تتحول إلى حبل مشنقة على رقبة الأقوى.. ما تحققه السياسة، في غالب الأحيان تبرره وسائل أخرى، أي أن الهزيمة دائماً لا تحددها نسب كثافة قوة النيران العسكرية، وهنا نجد تجارب التاريخ عجيبة حيث الإقرار بدبلوماسية نتائج الحروب، قد يقود إلى انتصار بوسائل واقعية، وأمريكا التي حاورت عناصر التشدد الإسلامي في المواقع التي تحاربها، هي ذات الشكل في الدخول بحوار مع كوريا الشمالية، وإيران حول التسلح النووي، بمعنى أن التصحيح لخطأ ما يجب أن تحسمه بدائل مناسبة، وهذا بفلسفة السياسة أمر مشروع.. مثلاً قمة الخرطوم أعلنت اللاءات الثلاث كقيد لكل الدول العربية لكننا شهدنا، بعد سنوات غير طويلة، نقض هذا الالتزام والدخول في حوار مع إسرائيل ثم التصالح معها بفتح كل الدروب والخطوط إلى تبادل الدبلوماسيين .. والحكم على خطأ هذا التصرف، أو واقعيته يخضع لمحاكمة تاريخية، ونظرة بعيدة، أو قصيرة، وأمريكا، أو أي دولة تصافح عدوها لا يعد هذا الأمرخطأ بالتقدير، وإنما الإقرار بحقيقة يجب أن تتجاوزها الظروف الجديدة، وهذا في ميدان الدول التي تحترم قوانينها ودساتيرها شيء يمليه ما يسمى بالواقعية السياسية والمصالح.. قطعاً أمريكا دخلت نفق الحرب مع أفغانستان والعراق بما يشبه الكبرياء الزائفة، حين أرادت رسم خط بياني يجعل نظامها الأمثل في العالم والذي يجب أن يسود، ومثل هذا التقدير الخاطئ يثبت ان القوى العظمى حتى في أوج قوتها، ليست قادرة على فرض نفوذها ونظامها، لكن الإيجابي لديها عدم الاستمرار بتجاوز الواقع، أو المكابرة.. هناك حروب غير قانونية تفرضها مصالح، وأمريكا بعد زوال الاتحاد السوفياتي حاولت مزاوجة السياسة بالحرب، أي أن الدولة التي لا تخضع للعزلة الدولية، والمقاطعة، يجب أن تزيحها القوة العسكرية، لكن ماذا بعد الانتصار العسكري؟ تلك هي الفرضيات التي أجبرت أمريكا على التنازل ومن ثم الدخول في حوار مع أقصى أعدائها، لكنها لم تفقد أسباب قوتها، وإن هُزمت معنوياً بين مؤيديها وأعدائها، والإيجابي أن توازن بين مصالحها وخسائرها.. عموماً السياسة باب مفتوح على المحرّمات والمحللات، وهي الحقيقة لمن يعرف كيف يديرها بعقل مفتوح..