دخل الشاب الذي عين في إحدى الوزارات كمتخصص في نظم المعلومات على أحد المديرين العامين، كانت تدور في باله الكثير من الأحلام والطموحات نحو الارتقاء بتطوير الأعمال الإدارية في الوزارة باستخدام الحاسب. متى أتخلص من هذه الأوراق؟!، متى تتم المراسلات بين مكاتب الوزارة إليكترونياً؟!، متى نرى المكتب الإليكتروني حيث لا نحتاج فيه إلى أوراق أو أقلام ؟!، أسئلة متسارعة سردها المدير على مسمع الشاب. ابتسم الشاب وتحدث حديثاً مليئاً بالتفاؤل وبشر المدير بقرب تحقيق أمنياته، وأن هناك الكثير من الفوائد التي ستجنيها الوزارة من جراء استخدام الحاسب في أعمالها. مضى على تلك المحادثة عشرون عاماً .. تقاعد المدير الطموح ..! وتنقل الشاب المتحمس في مناصب عدة داخل الوزارة، ولكن المكتب الإليكتروني لم ير النور بعد. حينما انتهى الشاب (الكهل) من سرد ذكرياته سألته.. كيف ترى حماسك الآن ؟ قال : استبدلت الحماس نحو الأحلام الوردية بالتطلع الواقعي للأهداف المرجوة . وأردف قائلاً : اكتشفت أن الحماس والإمكانات المادية لا يكفيان لتكوين بيئة معلوماتية حديثة، إنما لابد من توفر الإرادة الحقيقية لدى جميع المسؤولين في الوزارة للاستفادة القصوى من المعلوماتية. وأضاف بأنه لابد أن يكون هناك تيار عام مساند لعملية التغيير والانتقال من البيئة المكتبية التقليدية إلى البيئة المعلوماتية، فالبيئة المعلوماتية للمنشأة لها عناصر متعددة ومن أهمها: 1-البيئة الأساسية والتي تشمل شبكة الحاسب والأجهزة والبرامج. 2-توعية المسؤولين بأهمية المعلوماتية وكيفية الاستفادة منها. 3-تدريب الموظفين الذين سيتعاملون مع النظم المعلوماتية الحديثة. 4-الارتباط بالإنترنت بطريقة تخدم أهداف المنشأة. 5-إدارة التغيير التي تتعلق بالتهيئة المناسبة للانتقال نحو البيئة الجديدة . كما أن التعامل مع العنصر البشري في بناء البيئة المعلوماتية من أهم العناصر، فما هي الفائدة من أجهزة وشبكات حديثة، إذا كان المعنيون في هذه البيئة لا يستوعبون عملها ولا يجدون في أنفسهم حماساً للتعامل معها. هناك تجارب عديدة في بلادنا وغيرها لمشاريع بيئات معلوماتية كلفت مبالغ طائلة وجهوداً كبيرة ولكنها انتهت إلى بنية أساسية متقدمة ولكنها غير مفعلة ولا يستفاد منها أي أن العائد الاستثماري لهذه المشاريع بالمنظور الاقتصادي متدن جداً ولا يتناسب مع الإنفاق عليها.