الاعتذار قيمة عالية من قيم الإنسان المتحضر الذي يسمو بأخلاقه ويترفع عن التعالي والتكبر الذي يصيب بعض الأشخاص، فلا يخطر ببالك لحظة أن الاعتذار ينقص من كرامتك أو قوة شخصيتك، بل على العكس الشخص الواثق من نفسه هو الذي يبادر بالاعتذار ويستطيع تدارك الموقف ويعيد العلاقات لأصلها الطبيعي. وأظهرت إحدى الدراسات العلمية أن (80%) من الرجال لا يعترفون بخطئهم، ولا يقدمون اعتذارا من باب العِند والأنانية والكبرياء، وفي الغالب خوفاً من فقد الهيبة، أو الظهور بمظهر الضعف والانهزام، في حين أن (20%) فقط من الرجال على استعداد لتقديم الاعتذار، ولكن بصورة غير مباشرة، ولكن هل علم من يكابر على الاعتذار أن العلاقات الإنسانية يجب أن تتصف دائما بالمرونة، فالاعتذار دليل الثقة بالنفس والقدرة على تحمل مسؤولية ارتكاب الخطأ، كما أنه دليل قوة الشخصية والقدرة على مواجهة المواقف المختلفة بشجاعة والإقدام على إيجاد الحلول المنطقية. اعتذار متبادل يجب أن نتفق نحو أن الاعتذار أمر واجب مع القريب والغريب، فلا نهتم بمن حولنا ونتجاهل الآخرين فمثلاً الاعتذار المتبادل بين الزوجين لا يقلل من شأن أحدهما بل يزيدهم تفاهماً ويساعدهما على تخطى المواقف دون ترك رواسب لدى أي منهما، وبين الأصدقاء يوثق علاقتهما أكثر، وبين الأخوة يشعرهم بحب بعضهم للآخر، وبين الأقارب والزملاء يجعلهم يحترمونك أكثر، فلا يكفي شعور الإنسان بالندم وإحساسه أنه مخطئ في حق شخص ما، ولكن عليه التفكير في كيفية إصلاح الوضع والرغبة في تعويض الشخص سواء كان تعويضاً معنوياً أو مادياً، ففي بعض الأحيان قد تتعرض في حياتك إلى مواقف تضطر فيها أن تقدم تعويضاً مادياً للطرف الآخر عن خطأ وقعت فيه، ولا تغفل أن التعويض المعنوي لا غنى عنه إلى الجانب المادي. طلب السماح بقدر الزلل يزيد من المودة والمحبة بين قلوب تغفر ولاتحقد الاعتذار يجب أن يكون بنفس راضية ووجه بشوش يذيب جبال الثلج، بينما كلمة الأسف المقتضبة تبدو كتأدية الواجب الثقيل ولا تحرز أي تقدم مطلوب، فمقياس الأسف هو حجم الخطأ فتصرف عابر غير مقصود يكفيه كلمة «عذراً»، بينما الخطأ الكبير الذي قد يتسبب في أي ضرر يجب أن يكون الاعتذار بنفس الحجم أما اللجوء للاعتذار غير المباشر كتقديم هدية أو باقة ورد لا يمكن أن نعممه أو نلجأ له في جميع المواقف، فالأساس هو الاعتذار المباشر بكلمات واضحة وربما يصاحبه بعض التوضيح لسوء التفاهم. الاعتذار وجهاً لوجه تكون فيه المشاعر أقرب للقلب وأكثر وضوحاً، ويعبر عن أنك مازلت تهتم بالطرف الآخر وتنوي فعلاً الاعتذار بصدق وليس فقط لإنهاء الوضع المتوتر، وقد تختلف أشكال الاعتذار حسب المواقف والأشخاص فهناك من ترضيه كلمة آسف، والبعض بمكالمة هاتفية، بينما آخرون لا يرضيهم إلاّ الاعتذار الصريح الواضح، فتقديم الاعتذار لا يعني بالضرورة أن يتقبله الآخر، فعليك أن تتوقع أن المتلقي قد يحتاج لوقت لتقبّل الاعتذار أو حتى رفضه على أسوأ الاحتمالات، لذلك لا يجب توقع الأفضل دوماً، فعلى الرغم من الجهد الذي قمت به لتقديم الاعتذار قد يواجهك الآخر بلا مبالاة وببرود أو حتى بعدائية، وربما سيقدّر الشخص الآخر ذلك في وقت لاحق، أو لن يفعل أبداً لكن لا يهم ما دمت قد فعلت ما توجب عليك، لذا يمكنك الاسترخاء الآن، فالباقي يعتمد على الآخر. قوة هائلة وقال سعود القحطاني: «عندما يكون الشخص الذي أخطأت في حقه، محله القلب فمن الممكن أن يمثل الاعتذار قوة هائلة في تصحيح الخطأ، ويخفف من وطأة مشكلة ما، لذلك من المستحسن أن يشمل الاعتذار حسن التعبير من خلال اختيار الكلمات المناسبة التي من شأنها التخفيف من وطأة الحدّة وتحسين العلاقة مع الطرف الآخر، فسوء صياغة الاعتذار قد يتسبب في تأزّم الأوضاع أكثر، ولاننسى أن المواقف والأشخاص هم من يتحكم بنوعية الاعتذار وشكله». الأهم هو الاعتراف بالخطأ ويأتي بعدها مودة تدمج ما مضى أشكال الاعتذار وترى» منصورة الحامد» أنه في أحيان كثيرة لا نصدق أننا كنا بتلك القسوة أو الانفعال أو الظلم أو سوء الظن أو حتى الشك ونعود بعدها ونندم على فعلتنا وعدم مقدرتنا على التحكم في أعصابنا وألفاظنا، ونظل نبحث في داخلنا عن أي مبرر لنرتاح من وخز الضمير فنبادر بالاعتذار، ففي بعض المواقف تكفي كلمة «آسف»، لكن في بعض المواقف قد لا تكفي لحل الإشكال أو لا تفي بالمطلوب ولابد أن يتبعها شرح أو تفسير أو تعليل لما حدث من سوء تفاهم والذي قد يكون غير مقصود، وهناك من يكون الاعتذار له عن طريق هدية بسيطة، أو ابتسامة صافية، أو «كلمة حلوة»، وكلها تعبيرات صادقة عن ما يكنّه الإنسان داخل نفسه. خلفيات ثقافية وبيّن «مسعود الوايلي» أن النفوس والأنماط البشرية أنواع عديدة تؤثر فيها الخلفيات الثقافية التي جاءت منها وعاشت فيها طفولتها، كما أن للرصيد العاطفي وطريقة التنشئة دوراً كذلك، فالذي تربى على الاعتذار تجده يعرف خطأه ويسعى للاعتذار لمن أخطأ في حقه، بينما الذي تربى على أن الاعتذار إنقاص من هيبته وإنسانيته يخسر الكثير من الأصدقاء والأحبة لعناده وتمسكه بآراء لا تجدي نفعاً. اختلاف المفاهيم وأشارت «منى الوادعي» إلى أن من أسباب ثقل الاعتذار على النفس اختلاف المفاهيم فما تعتقده صديقتي بأنه عيب أنظر إليه أنا بأنه حرية شخصية، وما أراه أنا خطأ يراه زوجي صواباً، وما أطمح إليه أنا يراه غيري غباءً وتهوراً، ولذلك لا تطالب أحداً بأن يعتذر من شيء لا يؤمن به، بل الأجدر أن تتركه في حاله، خير لك من مطالبته باعتذار غير مدرج في جدول اهتماماته. تسامح وذكر «راكان الدوسري» أن هناك من يعبّر عن الاعتذار بمهاجمة الطرف الآخر وضبط مجهر كبير فوق أفعال من يقابله حتى يتصيّد أخطاءه وبذلك يشعر بتعادل الكفة، وهناك من يسحب منه الاعتذار سحباً حتى أنك تشعر بالتعب بعد أن تخرج الاعتذار من قيده، وهناك آخرون تذهب وتعتذر منهم إلاّ أنك تفاجأ بعدم قبولهم اعتذارك، والبعض يفضل أن تعتذر له أمام الملأ كرد اعتبار له، وهناك من يقبلون بالهدية كدليل على قبولهم اعتذارك، وأناس متسامحون جداً لا يريدون إخجالك فيقبلون اعتذارك بمجرد رؤيتهم لاتصالك، لذلك فالاعتذار مهما تعددت أشكاله لا يهز شخصيتك ولا يقلل من قدرك، بل يكسبك ثقة أكبر بنفسك، ويؤلف بين قلوب الأصدقاء والمقربين، فالتعود على الاعتذار من شيم الكرام. الاعتذار لحظة اعتراف قلب وبداية محبة أكثر عمقاً مما فات