بعد ثمانية أشهر من دخول الكلية تم فصله بسبب الرسوب في اللغة الإنجليزية، وحضر والده إلى قيادة الكلية لعله يستطيع اقناعهم بإعطاء ابنه فرصة أخيرة، وأثناء اللقاء دار حديث بين الأب وقائد الكلية، وفي نهاية اللقاء قال الأب: يكفيني ما تركتموه من أثر إيجابي على سلوك ابني وشخصيته خلال الستة أسابيع الأولى من حياته في الكلية، وهي الفترة التي مكث فيها الطالب داخل الكلية قبل أن يسمح له بالخروج في نهاية الأسبوع، ثم تحدث عن عدد الدورات القصيرة التي حصل عليها ابنه أثناء فترة الاستجداد إضافة إلى اكتساب اللياقة البدنية وتعلم ما تتطلبه الحياة العسكرية من انضباط وأداء، وتحدث عن دورات قصيرة كلها تصب في مهارات الإلقاء ومهارات الاتصال والتعاون مع زملائه لأداء المهام الكثيرة والتحلي بالصبر والشجاعة. تذكرت ذلك وأنا أتساءل عن مئات الألوف من الطلاب والطالبات الذين يلتحقون بالجامعات والكليات كل عام، هل يتعلمون السلوك الإيجابي والمهارات العلمية والفنية والقيادية المطلوبة لجعلهم قادة للوطن يأخذون به إلى مصاف الدول المتقدمة؟ الجامعات هي المسار الأخير لرحلة طويلة قبل الدخول إلى الحياة العملية والأسرية، وقبل أن يصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع. مديرو الجامعات وقادة الكليات تم تأهيلهم واختيارهم بعناية، فهم في الأساس متفوقون دراسياً وحاصلون على تأهيل متميز وشهادات كثيرة داخل المملكة وخارجها قبل أن يتم اختيارهم لهذه المناصب المهمة، لذا يعلق عليهم قادة الوطن آمالا كبيرة لخلق بيئة تعليمية وتربوية تخرج للمجتمع قادة ليسوا متميزين فقط، ولكن مؤثرين في من حولهم من أقارب وزملاء وأصدقاء، وهذ لن يتم إلا إذا بذل هؤلاء المديرون والقادة جهوداً مضاعفة وأكثر مما يبذله غيرهم من المسؤولين ذلك أن الطالب والأستاذ بحاجة إلى قدوة ومراقبة ومكافأة المجتهد ومحاسبة المقصر وهنا أسوق بعض الملاحظات: من السهولة أن يغرق المدير في روتينه اليومي وفي اجتماعاته وبين أكداس المعاملات التي فرضتها المركزية والبيروقراطية حتى أصبحت أسلوب حياة كل مسؤول وجعلته يغفل عن جولاته اليومية ومهمته الأساسية التي أساسها الطالب الذي لولاه لما وجدت الجامعة بمبانيها وكل ما تحوية من تجهيزات، عليه أن يزورهم في الفصول ويتحدث إليهم بين الحين والآخر ويذهب إلى كل مكان يستخدمه الطلبة من معامل ومطاعم وحتى دورات المياه، كما أن مشاركة الطلبة أنشطتهم الثقافية والرياضية والفنية والاجتماعية تعد من أهم المحفزات على إقامتها ونجاحها. السنة التحضيرية، من أهم السنوات الدراسية في الجامعة، وفي بعض الدول تسمى التأسيسية لأهميتها، وهدفها أن تهيئ الطالب لمتطلبات الجامعة اللغوية والأكاديمية ولتحديد مساره بعد هذه السنة، وفي الكليات العسكرية تعد الستة أسابيع الأولى من أهم مراحل الدراسة في الكلية وعلى هذا الأساس يتم اختيار أفضل الكفاءات من ضباط ومدربين وطلبة قدامى لتعليمهم وتدريبهم وإكسابهم المهارات المطلوبة لما بعد هذه المرحلة. ومن المهم أن يراجع المدير شخصياً كل مناهج وأنشطة السنة التحضيرية، وعلى سبيل المثال لا الحصر كنت أطالع منهج الثقافة الإسلامية في إحدى الجامعات فوجدته تكراراً لما أخذه الطالب في التعليم العام ولا يمت بصلة إلى حياة الطالب العلمية والسلوكية في الجامعة وما بعدها، ولا يوجد فيه أي محاولة لمحاربة بعض الممارسات التي تفشت في المجتمع من غش وكذب وخداع ونميمة، كما لم يتطرق المنهج لتصحيح بعض المفاهيم في ثقافتنا من تواكل وكسل وإحباط وعبث بالممتلكات العامة وتدمير للبيئة وفساد ينخر في المجتمع، لقد كانت مادة الثقافة الإسلامية تركز على عبادات معروفة ومقيدة ونسيت عبادة عمارة الأرض ومنافسة الدول الأخرى في الإنتاج والسلوك وتميز المسلم في أخلاقه وسلوكه وتسامحه وحبه. لقد أخذت معظم جامعات المملكة بالسنة التحضيرية لأهميتها، لكنها لم تعطها ما تستحقه من اهتمام وخاصة إشراك أولياء الأمور ودعوتهم ليكونوا شركاء في المهمة، وتجهيز المكان بدءاً بمواقف السيارات وانتهاء بالمهمة الأساسية التي لا يجب أن تسند لمقاول من الخارج بل يجب أن يتولاها أفضل الكفاءات من أعضاء هيئة التدريس، ولجامعة الملك فهد للبترول والمعادن خبرة طويلة في هذا المجال يجب أن تستفيد منها الجامعات الأخرى. الجامعة هي المكان المناسب لاكتساب عادات تبقى مع الطالب مدى الحياة ومنها اكتساب عادتي القراءة والرياضة، ذلك أن التقدم العلمي والمهني والصحة البدنية والنفسية تتعزز بهاتين الصفتين، وهناك طلبة يدخلون الجامعة ويتخرجون منها ولم يزوروا مكتبة الجامعة أو يمارسوا الرياضة في ملاعبها، ومن أهم وسائل التحفيز على العادات المفيدة ممارستها من قبل المسؤول والحث عليها وإيجاد المسابقات الثقافية والرياضية وحضورها وتقديم الجوائز للمشاركين والمنظمين والفائزين، ومن الأدوار المهمة للجامعة خدمة المجتمع والاهتمام بالمعوقين وتوفير الخدمات لهم وتوعية المجتمع بأهميتهم وإيجاد مواقف خاصة لهم يعاقب بكل حزم من يقف فيها من غير المعوقين، وتكون هذه المواقف أمام الكليات والمستشفى وبقية مرافق الجامعة. الجامعات والكليات حظيت بدعم كبير من خادم الحرمين وولي عهده لأنها المحرك الحقيقي للتنمية والتطور، والمملكة تعيش وفرة مالية غير مسبوقة يجب أن توظف لخلق جيل مفكر صحيح في عقله وبدنه ليساهم في البناء والتطور، والجامعات تزخر بالكفاءات المتميزة من أعضاء هيئة التدريس وخاصة جيل الشباب المتحفز للعمل الذي يجب أن يشجع ويستمع إليه قبل أن تنطفئ جذوة الحماس عنده. التعليم بجميع مراحله أمانة ورسالة لن يؤديها إلا من يؤمن بها ويخلص لها ولديه رؤية ويهمه أن يرى بلده في مصاف الدول من حيث القوة الاقتصادية والاجتماعية والسياسة والعسكرية.