كان الشاب يقدم القهوة العربية لساكني ورواد أحد الفنادق باللباس السعودي وكنت أتناول قهوته وأتحدث اليه واشجعه على العمل، وكلما ذهبت الى الفندق وجدته هناك وبعد انقطاع، كنت في زيارة للفندق فلم أجد صاحبي لكني فوجئت به في موقع آخر يلبس الزي الرسمي للفندق وبعد السلام سألني: هل عرفتني، قلت نعم.. مبروك.. هل هذه ترقية؟ قال مبتسماً ابتسامة تحمل عنوان الفرح والفخر لقد أصبحت موظفاً رسمياً في الفندق. ابدأ بتلك القصة القصيرة التي اتوقع أن يكون لها تكملة فيما بعد في مسيرة ذلك الشاب وأنا على ثقة إذا كتب الله وقابلته بعد مدة انني سأجده قد ترقى الى وظيفة أعلى وقد يصل في نهاية المطاف كما فعل غيره الى أن يكون مديراً للفندق. والآن لن نزعج شبابنا باللوم على الاحتماء بقانون العيب للابتعاد عن ممارسة الأعمال والمهن الصغيرة. لن نزعجهم باللوم لأن بعضهم بدأ فعلاً بالتخلص من ذلك القانون ونحن نقابل بعضهم في المطاعم والأسواق وغيرها من مواقع العمل. هناك بداية لكنها متواضعة فلا يزال سوق العمل مفتوحاً محتوياً على فرص كثيرة فهو كالبحر في احشائه الدر كامن، وعلى من يبحث عن عمل أن يكون لديه الإرادة والشجاعة لدخول البحر واكتساب مهارة الغوص بحثاً عن مكنوناته الكثيرة. في هذا البحر تقابل الغواص، محلات التجزئه، والورش، والمكاتب السياحية، والصيدليات، والمستشفيات، والفنادق، والمزارع، والمصانع، والمختبرات، والعقارات..الخ فرص لن تدق الباب على الشباب فالمطلوب هو العكس تماماً أما من يكتفي بالتشكي ويتردد في خطوة البداية كونها صغيرة أو لا تليق، فهو لن يبدأ أبداً. خطوة البداية مهمة حتى لو كانت صغيرة حتى بالنسبة لمن يحملون الشهادات الجامعية فالعمل فخر وصحة ومستقبل وكرامة. القصص في هذا المجال كثيرة ومنها الوزير الذي بدأ حياته الوظيفية مراسلاً ويفتخر بذلك. نعود الى الشاب الذي بدأ بتقديم القهوة العربية في الفندق ونقول أن إدارة الفندق بالتأكيد لم توظفه رسمياً الا بعد أن لاحظت أنه يؤدي عمله بحماس وانضباط والتفاعل الإيجابي في بيئة العمل مع الجميع، وهذه مؤشرات تجعل المسؤول يفتح باب التوظيف لاستقطاب الشاب وتدريبه واعداده لمسؤوليات أعلى. وكما قلت في بداية المقال ليس هدفي في هذا المقال أن اتهم الشباب بالتهرب من بعض المهن لأني ألاحظ تغييراً ايجابياً في هذه القضية لكن اردت التذكير بأهمية الصبر والتحمل والجدية في العمل والانضباط وكل ما سبق غير كافٍ دون الشعور بالانتماء للجهة التي نعمل فيها والاندماج والتفاعل في بيئة العمل مهما كان حجم العمل وطبيعة الوظيفه. اشعر نفسك انك أحد أفراد المجموعة وجزء من المنظمة ومن (يصب القهوة) هو بالتأكيد جزء من المنظمة مهما كان حجم هذه المنظمة وأهميتها. قيل لعامل النظافة في وكالة (ناسا) ما الذي تفعله في هذه الوكالة؟ قال: أساهم في إطلاق الصاروخ.