يقول أحد الأصدقاء كلما رأى قطاً إنه بحاجة إلى لسان يمكّنه من التعبير عن أفكاره، لندرك كم هو أذكى من الكثير من الناس. أنا أشعر أيضا أن القط سيستخف الناس، لو رأينا كيف يتجاهلنا ويحاول تجنبنا أما نعاسه الدائم فهو علامة ملل الحكيم من الحياة. راقب نظرات القط نحوك وستعرف إما أنه لا يمنحك أي أهمية أو أنه يستفهك. أعرف أن هذا يتناقض مع ما يقوله العلماء حول عقول الحيوانات التي لم تتطور كعقول البشر. بعضهم يؤكد أن الحيوانات لا تعرف الزمن، تعيش لحظتها ولا تضبط غرائزها. كل هذا صحيح علمياً، وصحيح أيضا أنها عاجزة أن تكّون لها هوية خاصة أو إحساس بالأنا ينبع من داخلها (أي لا يصحو الثور من النوم ويقول بداخله أنا ثور وسأخطط لمستقبلي. الانسان عرف الأنا والهوية وأدرك- أو صدم- بحقيقة أنه حتماً سيموت لذا منح حياته معاني ورموز وأوهام مختلفة). ومع هذا للحيوانات مزايا شخصية جماعية، ومثل هذا المزايا أظن أنها تتقاطع مع البشر. يجب أن لا ننسى أن الانسان من صنف الثدييات. كل النقاط السابقة عن القط التي ذكرتها هي تكشف عن شخصيته العنيدة المستقلة. لهذا لا يفضل الكثير من الناس تربية القطط لأنهم لا يستطيعون السيطرة عليها تماما على العكس من الكلاب الخاضعة (الخبراء في تربية الحيوانات يقولون : عشر دقائق كافية لتعلم الكلب الجلوس بينما إجبار القطة على الجلوس يستغرق أسابيع، ومع هذا النتيجة غير مضمونة). الكلب دائما جائع عاطفياً، ويبحث عمن يحبه ويربت على رأسه، ويقوم الكلب بكل الحركات البلهوانية لكي يجذب انتباه صاحبه المعجب بخضوعه. أذكر أني رأيت مرة أحد المشردين في الشارع يضرب كلبه ويسيء معاملته ومع ذلك الكلب يعود ويتمسح به و يجري خلفه. بالتأكيد لن تفعل قطة محترمة هكذا. الشخصية الكلبية أو القططية موجودة فينا. هناك مقطع طريف في اليوتيوب حول الفرق بين الشخصيتين. الشخصية الكلبية تقريبا هو صديقك و حبيبتك أو زوجك الذي يحاول أن يثبت حبه لك في كل دقيقة، لأنه يبحث عن العاطفة. أما الشخصية القططية فهي الحبيبة أو الزوجة التي تعاني من الاكتئاب ولا ترد على اتصالاتك لأن مزاجها متقلب وتحب العزلة وليست متسولة عاطفيا لأنها مكتفية إلى حد ما. الشخصية الكلبية تحب الخروج والاختلاط والشخصية القططية تفضل البقاء في البيت طوال اليوم والتنقل بتثاقل من غرفة لغرفة، ومن سيب لسيب على مواجهة الناس. لكن القط نرجسي وأناني ويقفز بأحضانك إذا رأى بيدك شيئاً ويركلك إذا انتهت حاجته، أما الكلب فهو معطاء أو كما يقال وفي، ولا ينتظر ثمن ذلك إلا رضاك عنه. ربما هذا أيضا يتعلق بالبشر وأكثر ما نلاحظه بالأطفال الصغار الذين لا يخفون شخصياتهم الحقيقية مثلنا. صغير يرتمي بأحضانك وآخر ينظر لك بازدراء. الكثيرون منا يختلط في شخصياتهم مزيج من الجوانب الكلبية والقططية. الموظف يتحول إلى جرو صغير يفعل كل شيء حتى يرضي عليه مديره ويربت على ظهره وحينها فقط يهز ذيله حبوراً، ولكن عندما يعود للبيت يتحول إلى قط متململ ومتعكر المزاج أما زوجته المسكينة فتعلب دور الجروة الصغيرة الباحثة عن رضاه. أحيانا مجرد اسم الحيوان يكفي لأن يشرح المتحدث فكرته. في مصر يكثر هذه الأيام استخدام وصف " الخرفان" بهدف الانتقاص. أنا ضد شتم و إهانة الآخرين مهما كانوا، ولكن فعلا شخصيات الخرفان تتقاطع مع سلوكنا كبشر، ولا أقصد بذلك الإهانة. الخرفان عكس القطط تماما و أسوأ من الكلاب. الخرفان قطيعية التفكير ولا تتحرك إلا بجماعات. كلنا لدينا مثل هذا التفكير القطيعي حيث تسيطر علينا أفكار معينة تجعلنا نسير مع بعض. فقط الخرفان السوداء تفضل الخروج وحيدة ولكنها تعاني لافتقادها ميزة القطط في العيش منفردة ومكتفية عاطفيا. تقريبا يتفق العلماء أن نشوء الانسان قديماً تم في مجموعات ولم يوجد انسان منعزل ووحيد كم كان يعتقد في السابق. نحن نبحث عن الدفء الاجتماعي مثل أجدادنا قبل ستين ألف سنة أو أكثر (لذا يقال إن الانسان كائن اجتماعي). الفكر القطيعي مريح حتى لو كان للشخص بعض الأفكار المتمردة هنا وهناك. مع العمر يعرف الشخص أهمية عالم الخرفان التي تتجنب المشاكل والنزاعات حتى فيما بينها و تتمتع بحركية عملية في بحث عن الأكل والشرب فقط. لدي صديق هو خروف أسود بكل معنى الكلمة، يكره الإسلاميين ويمقت الليبراليين، يسخر بالشيوعيين و يزدري القوميين. مع أنه محق في الكثير من اعتراضاته إلا أنه لا أحد يستمع له لأنه بدون قطيع يسير معه. حتى أوباما عرف هذه الحقيقة مع أنه أقوى رئيس في العالم الآن. قال أوباما مرة أنك بحاجة إلى أن تتحالف مع الأقوياء لكي تثبت نفسك. الأقوياء بمعنى آخر هم قطيع يدعمك حتى تحقق أهدافك. ولكن ماذا عن الحية والثعلب والقنفذ. نسمع دائما شتائم للشخص المتصف بالخبث واللؤم بأنه مثل الحية المندسة. تطلق على النساء أكثر من الرجال، وربما ذلك يعود إلى الثراث الطويل لدى الكثير من الأمم التي ترى أن المرأة أصل الشرور. مثلما تستغل الحية جلدها الناعم المرقط الجميل، تستخدم المرأة جسدها وأنثوتها المغوية للإيقاع بالرجل. كل هذا أفكار قديمة لا زالت مؤثرة في الكثير من تراثات الأمم المختلفة (طبعا هذه فكرة موروثة غير صحيحة، الغريب أن كثيراً من النساء يثبتن مثل هذه التهمة على أنفسهن عبر إعجابهن بفكرة " كيد النساء"). ولكن علميا الحية فعلا في غاية الذكاء ولكنها قريبة من المرأة في تعقيد شخصيتها و حدة غرائزها. المرأة لديها القدرة على إدارة وضبط هذه الغرائز. أحد الفروق الأساسية بين الحيوان والانسان أن الانسان قادر على كبح غرائزه وضبطها إلى حد ما. في هذه النقطة المرأة أكثر عقلانية لأنها قادرة أكثر من الرجل على ضبط دوافعها العميقة والسيطرة عليها. الرجل تنفلت منه العواطف والشهوات انفلاتا. لا يستطيع الفتى البرىء بأن يقمع قلبه، أو أن يتحكم في خياله الجنسي إذا ما تعرف على فتاة جميلة، وسيقول لها على الفور " أحبك وأريد الزواج بك"، في الوقت الذي تجعل الفتاة عواطفها وغرائزها تحت السيطرة. أما بالنسبة للثعلب فيوصف دائما بالدهاء ولكن ليس هذا المهم في شخصيته. الثعلب ميزته أنه صاحب مشاريع صغيرة وأفكار مختلفة وعديدة كما يقول الفليسوف البريطاني اشيعيا برلين في مقال شهير له بعنوان " الثعلب والقنفذ". بمعنى أن الثعلب لا يفكر بشيء كبير واحد ويحاول تحقيقه. هذا أيضا ينعكس على الانسان. فالشخص الذي يتمتع مثلا بقدرة على كسب مشاريع تجارية صغيرة أو مثلا كتابة كتب خفيفة جيدة هو ثعلب بطريقة ما لأنه لا يبحث عن شيء كبير ويعلق فيه محاولا أنجازه مثل ما يفعل القنفذ. هذا ما نراه في البشر أيضا. نرى كثيرا شخصيات تحلم بمشاريع أو إنجازات كبيرة هائلة وتستحقر مادون ذلك. لماذا هذا الموضوع ؟ أولا لا أعلم فعلا. ثانيا لغرض طريف وهو أن ترى في نفسك وأصدقائك الجوانب الكلبية أو القططية أو الثعلبية (هناك أيضا الكثير من الديكة في مجتمعنا). ثالثا لأن حياتنا كبشر ووعينا مختلط بعالم الطبيعة والحيوانات. في المجتمعات البدائية التي أتينا منها كان هناك أساطير عديدة حول الطبيعية مثل أن السحب تأكل القمر، ولكن القمر يعيد تشكيل نفسه من جديد. أيضا هناك أساطير حول الحيوانات مثل أن عواء الذئاب مؤشر على قرب اندلاع الحرب أو وقوع كارثة ما، وأن بعض الطيور هي سبب تساقط الثلوج. رابعا لا أريد أن أكتب مواضيع من نوعية " حصاد عام 2012" وأبدأ بتقديم النصائح والحكم الفارغة. خامسا من يريد أن يكتب مواضيع جادة في بداية العام الجديد. عام سعيد على الجميع.