قد تصادف حماراً يعبر شارعاً في صنعاء، أو جملاً في عدن، بينما تندر مشاهدة شخص يقود كلباً أو يحتضن قطة. فعلى رغم العلاقة القوية التي لا تزال تربط اليمنيين بالحيوانات، تبقى هذه العلاقة قائمة على المنفعة. وقد يحزن الرجل وتنوح المرأة، وتبقى مكلومة لأيام، على بقرة أو نعجة نفقت، لكنهما في المقابل قد يقتلان كلباً بأعصاب باردة. جثث الكلاب والقطط المدهوسة على الطرقات والشوارع مشهد يتكرر ويشي بلامبالاة اليمنيين وتدني رفقهم بالحيوانات، وبخاصة تلك التي لا تدر لهم دخلاً. وإذا ما حدث وأولى يمني اهتماماً بكلب فإنه يفعل ذلك لغرض نفعي صرف من قبيل استخدامه للحراسة. وثمة نساء ورجال في صنعاء ومدن أخرى، يجمعون بشكل شبه يومي مخلفات الذبائح من محال الجزارة لكي يقدموها لقططهم لتتولى مكافحة الفئران. وحتى تلك الأسر القليلة جداً التي بات بعض أفرادها يقتنون كلاباً، فإنها تحاكي سلوكيات وافدة. وذلك من بين جملة مظاهر تتوسلها من دون تمثل حقيقي لسياقاتها الثقافية، ومنها الإيمان بوجود روابط تجمع ما بين الكائنات الحية، وأن للحيوان حقوقاً لا تختلف كثيراً عن حقوق الإنسان. ويرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء، عبدالباقي شمسان، أن اقتناء هذه الأسر أنواعاً من الحيوانات مثل الكلاب والقطط، يندرج في سياق سعيها الى الظهور في صورة مدينية طبقية، تعكس مستواها الاقتصادي وثراها المادي وتميزها الحضاري. ويقول شمسان أن مثل هذا الاقتناء لا ينهض على ثقافة راسخة، بمقدار ما يتعلق بمحاولات التمظهر في مكانة اجتماعية اقتصادية معينة. وبدا أن الأطفال وحدهم، يقيمون علاقة حقيقية مع الحيوانات، ويكنون لها مشاعر صادقة. تعلق ملاك (7سنوات) بقطة كان ثمنه إصابتها بنزلة برد. حدث ذلك ذات صباح من صباحات كانون الأول (ديسمبر) الماضي عندما استيقظت الصغيرة فلم تجد قطتها فخرجت إلى حديقة المنزل تبحث عنها. فبعض الأسر تسمح لأطفالها بأن يقيموا علاقة مع حيوانات أليفة، ولكنها ترفض أن يبيت الحيوان في المنزل. ولئن أدى تشكل المدينة اليمنية على الصورة الريفية إلى استمرار كثير من العادات والتقاليد، منها الاعتناء بالحيوانات، قد يكون هذا التشكّل سبباً وراء إبقاء الاهتمام بالحيوان مقتصراً على اعتباره وسيلة اقتصادية ومجرد أداة، مثله مثل المحراث. والراجح أن قيام علاقة حقيقية مع حيوان تقوم على احترام وجوده الحي هو أمر لم يتبلور بعد. ويرى نجيب (40 سنة) أن الاهتمام بالحيوان يقاس بمدى اهتمام بني البشر بعضهم ببعض. ويلفت شمسان إلى طبيعة الثقافة السائدة وهي ثقافة إسلامية تضع عدداً من الحيوانات في خانة النجاسة والتحريم. يضاف إلى ذلك، بحسب شمسان، تدهور الأوضاع الاقتصادية لدى معظم اليمنيين، الأمر الذي يحول دون الاهتمام باقتناء حيوانات غير نافعة. وكانت أسعار الحمير ارتفعت بشكل كبير في بعض المناطق الحدودية مع السعودية على خلفية استخدامها لتهريب مواد مثل القات والخمور، حيث درج المهربون هناك على استخدام حمير مدربة على سلوك طرق جبلية بمفردها. والاهتمام المبالغ فيه بالحيوان قد يقابل بالاستهجان، فعلى سبيل المثال، بات تخصص منظمة فرنسية بتوفير أعلاف لحيوانات النازحين من حرب صعدة، موضوعاً لتهكم بعضهم واستغرابهم وجود اهتمام دولي ب»الماشية». ومثل هذا جرى مع شاعر يمني سعى في وقت سابق إلى تأسيس جمعية لحماية الحيوان، ولكنه قوبل بسخرية النخبة المثقفة. والاعتداء على الحيوانات يطاول أيضاً تلك المهددة بالانقراض مثل الوعل. وسبق لمجموعة من السياح الأجانب تصويرعملية ذبح سلاحف في محمية رسمية واقعة جنوب اليمن. وفي محمية عتمة (شمال)، تعرضت نمور نادرة للقتل. والنفور من بعض الحيوانات قد يجعل لحومها مثاراً للإشاعات وبث المخاوف. ويشاع أن بعض محال الجزارة يذبح قططاً وكلاباً. ودأب سعيد على عدم تناول اللحوم في مطاعم تكثر من إضافة الملح في طبق اللحمة، معتقداً أن الإكثار من الملح يهدف إلى الحيلولة دون تمكن الزبون من معرفة نوع الحيوان المذبوح.