تحظى الاحصاءات التي تنشرها المجلات والصحف بكثير من التعاطف والتصديق من الناس، ذلك لأن لغة الإحصاء لغة سهلة وموثوق بها. لكن الارقام التي تظهر أحياناً في بعض الصحف والمجلات والتقارير تحتاج إلى مزيد من إعادة النظر والتمحيص. وقد جاء في بعض الاحصاءات العلمية أن درجة حرارة الكون قد ارتفعت بمقدار درجتين على مدار القرن العشرين، وأن ثلث الفصائل الرئيسة من الثدييات معرضة لخطر الانقراض. كما أن الإنسان يستهلك حالياً أربعين في المئة من الموارد الطبيعية للأرض. ان تلك الاحصاءات الآنفة والتي نشرتها التقارير البيئية في الأعوام الماضية ربما تؤدي إلى بلبلة التفكير في مصير البشر بعد سنوات قليلة. لكن بعض العلماء الأمريكيين يشككون في هذه الارقام الاحصائية!! وقد نقلت مجلة فوربس (Forbes) عن تقرير علمي منذ عدة سنوات أن 13% من الكهرباء المولدة في الولاياتالمتحدة تستهلكها أجهزة الحاسوب، وهو أمر مبالغ فيه. وقد نشرت المجلة هذا التقرير الذي نقلته تسع مقالات في صحف ومجلات رئيسة، بالإضافة إلى مجموعة من التقارير الصادرة عن بنوك استثمارية رئيسة، واعتبرته حقيقة دون أن تتأكد من صحته، ودون أن تذكر أن هناك دراسات علمية أخرى قدمت أرقاماً احصائية مختلفة تماماً. ويقول الدكتور جوناثان كومي من معامل لورانس بركلي في كاليفورنيا أن هذا النموذج من التقارير يعلمنا أن نتشكك في كثير من الاحصاءات التي تنشر في بعض وسائل الإعلام. ويضيف كومي بأن الأرقام الإحصائية تشع بريقاً ويمتد تأثيرها وعمرها في وسائل الإعلام، خاصة إذا كانت هذه الأرقام تؤكد مفهوماً يحظى بشعبية وتعاطف عند الناس. وما يحدث عندئذ هو أن تُذكر هذه الأرقام ولكن لا تذكر مصادرها. وعندما يرى القراء هذه الأرقام مكتوبة دون مصدر، فإنهم يعتقدون أنها حقائق مسلم بها، خاصة إذا ذكرت في صحف مرموقة مثل نيويورك تايمز وول ستيريت جورنال. ويقول كومي الذي أجرى تحقيقاً آخر حول سرعة انتقال البيانات على شبكة الانترنت ان احصاءات اظهرت أنه خلال الثمانينيات تضاعفت تلك السرعة سنوياً حتى منتصف التسعينيات، ثم تضاعفت كل ثلاثة شهور بعد ذلك. وبناء على تلك التقديرات بدأ عدد متزايد من المستثمرين باتخاذ قرارات لشراء أسهم شركات الألياف البصرية وشبكاتها في الولاياتالمتحدة، ذلك لأنهم اعتمدوا على تلك الأرقام الإحصائية غير الدقيقة، وقد اثبتت الأيام أنهم كانوا على خطأ، وخسروا الكثير من استثماراتهم. ولا شك أن كثيراً من الارقام الاحصائية التي تنشر في دول العالم ومنها المملكة العربية السعودية تعاني أيضاً من كثير من الأخطاء أو عدم الدقة مما يستدعي إعادة النظر فيها دائماً. ويقول الدكتور كومي إن الدرس الذي ينبغي علينا أن نستوعبه هو أن نتحقق تماماً من مصادر المعلومات التي تقتحم عقولنا عبر وسائل الإعلام المختلفة. ان المطلوب من الجميع هو أن لا يصدقوا أي ارقام احصائية إلا إذا جاءت من جهات علمية أو رسمية ذات مصداقية عالية مثل مصلحة الاحصاءات العامة والمعلومات بالمملكة العربية السعودية أو غيرها من الجهات الموثوقة.