الشارع اللبناني في ما يبدولي انه لا يفاضل بين برامج الناخبين, ولكن يتفرج بانتباه تام على إثارة عروض المرشحين في واجهات الشوارع وعبر مسيرات عربات الاستعراض الهائلة التكاليف.. يجوز أن يحدث في لبنان ما هو شبيه لما يحدث في النمسا وسويسرا والبرازيل وبيكاديللي لندن من عروض تنافسية في الفلكلور, لكن في لبنان يتم عرض فلكلور من نوع مخيف عربيا يتنافى مع ما يفترض أن تكون الحروب الشرسة التي توالت على الساحة اللبنانية قد أعطته من عظة تجارب وخبرة تثقيف بمخاطر ما يؤول إليه الحال حين يكون الولاء للأشخاص وليس للوطن.. وصف نبيه بري ما يحدث في شوارع الإعلانات الانتخابية والخطب والعروض بأنه عصفورية كبيرة أصبح بها الوطن يموج باللامعقول وطنيا , وقال كريم بقرادوني من حزب الكتائب في لقاء تلفزيوني إن ما يحدث مفرغ تماما من الولاء الوطني ويحتشد داخله تنافس شخصي محض. قالوا إن الأموال تتصادم بالأموال وليست الأفكار تتبارى مع الأفكار أو برامج الإصلاح مع ما ينافسها.. من الممكن أن يحدث ذلك في بلد عاش نعمة السلام والترف مائة عام وأكثر أما أن يحدث ذلك في بلد استعملت فيه أشنع الاستفزازات التي طالت الأنبياء وحصدت حياة رموز الكتل السياسية فقتل جنبلاط والجميل وفرنجية الابن وشمعون الابن وحامت شبهات حول أسماء أشخاص عرفوا بأمراء الحرب ربما كان بعض منهم ممن يتنافسون الآن وكان بعض آخر بين المتنافسين ممن ذهب الى أوروبا أو الخليج أو أمريكا ليعود غنيا بعد الحرب فيحاول بما كسبه هناك أن "يشتري" المقعد النيابي.. المفروض ان يختلف لبنان عن كل صيغ المنافسات الانتخابية, بل ان تتكون فيه رؤية أكثر عمقا وأكثر دلالات وطنية في تحديد كفاءة المرشح, بمعنى أنه لو وجد من يحاول تحويل المنافسات الانتخابية وهو ما يحدث الى صراع يجابه به المال والقوة طرف آخر هو الحنكة وسلامة الرؤية ألا يجد هذا النوع من التنافسات له مكانا في بلد مثل لبنان دمرته قذائف القوة وتكونت من اشلائه ايرادات المال.. لبنان يبحث عن مسيحي مخلص لبلده يسعى الى إعمار الجنوب اللبناني ضمن برامجه الانتخابية, والى مسلم لا يتحسس خطرا من بروز أي طموح مسيحي, وأن ينسى الناخبون تماما منافسات العشائر إسلاميا أو مسيحيا أو عرقيا , لأن ما دمر لبنان في السابق لم يكن تطرف ولاء ديني أو طائفي بقدر ما كان حماقات طموح شخصي استجابت لاستدراج مغريات سياسية تحولت فيما بعد الى أغلال كبلت كل نوايا حسنة عند أي طرف آخر.. إن كل مؤهلات لبنان الطبيعية والبشرية جميعها تصرخ بأنه خلق ليكون نموذجا حضاريا وثقافيا واقتصاديا يشرف ما هو مطلوب من تواجد عربي حوله وأن ننسى تماما تلك الخصوصية في سرعة الاستجابة للاختلاف, وإحلال خصوصية الثقافة والعقل..