ما أجمل الكتابة عن المدن، وما أروع العبارات التي تصف المدن بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، شوارعها وبيوتها وحاراتها ومقاهيها ومتاحفها ومسارحها وآثارها وطبيعتها ورقصاتها ولهجاتها، وقبل كل تلك التفاصيل الجميلة، حكاية الإنسان الذي يشبه تلك المدن. تلك حقيقة تعلمتها جيداً خلال ممارستي الكتابة الصحفية لأكثر من عقد من الزمن. ثلاثة أيام، كانت كالخيال، بل كالدهشة التي أطلت بسحرها الأخاذ، لتعانق السحاب. لقد كنت في ضيافة الغيم، أتنفس الضباب، وأرقب تلك الوجوه الجبلية التي صافحها رذاذ المطر. ثلاثة أيام رائعة، في ضيافة الغيم، في ضيافة أبها. أبها.. المدينة الأبهى في هذا الوطن الرائع، بجبالها ووديانها وسهولها ومدرجاتها الخضراء وعقباتها ومتنزهاتها ومطلاتها وأشجار العرعر والسدر والطلح. أبها، تُمثل عبقرية المكان بكل تنوعه الجغرافي والبيئي والمناخي، وهي أيضاً تُسجل بصمة الإنسان الذي يشبه جبل السقا بقامته وصلابته، والمطر بكرمه وسخائه، وشجر العرعر بصبره وقناعته. أما الغيم وأبها، فهما طرفا حكاية عشق أبدية. أبها والغيم، لوحة سماوية ترسمها زخات المطر، وتلونها قطرات الندى. أبها المكان والإنسان، أيقونة فريدة لا تشبه إلا نفسها، تماماً كغادة حسناء لا مثيل لجمالها وغنجها. الكتابة عن هذه المدينة الساحرة، تُحرض على نسج المفردات الباذخة والمعاني المترفة. كيف لا، وأنت في ضيافة أبها، سيدة السحاب والغيم والدهشة والجمال. أحاول جاهداً، أن أنعتق من هذا العشق المجنون بهذه المدينة الفاتنة التي سحرتني حد الدهشة، والتي أزورها لأول مرة. أحاول ذلك، رغم أنها تُمارس الإغواء والفتنة كعادتها، ولكن لابد من لجم هذا الولع والشغف، ولو لبعض الوقت، لأن أبها تستحق الكتابة بشيء من العقل والصدق والشفافية. أبها، مدينة جميلة تحتاج إلى المزيد من الاهتمام والتحديث والتطوير والخدمات والمرافق والإمكانات، لتكون مدينة سياحية عصرية، تُنافس أهم المدن السياحية العالمية، فضلاً عن المدن السياحية العربية. أين أبها، مدينة الفن والمسرح والأدب والفلكلور والحرف؟. تلك المدينة المنفتحة التي احتضنت الفنون بعد عقود طويلة من التزمت والانغلاق والتحجر. أين مسرح المفتاحة وحفلات الصيف الغنائية وعروض الرقصات الشعبية؟ فأبها، تلك المدينة المبتهجة، نُريدها وعلى وجه السرعة. آه، لقد أغوتني أبها كعادتها، ولم يبق إلا القليل للكتابة عن جائزة أبها، ذلك الحدث السنوي الرائع الذي أصبح الأهم في خارطة التنمية في منطقة عسير، بل في كل الوطن. فبعد 39 عاماً، يُسجل لهذه الجائزة المهمة حضورها الريادي والفاعل في تكريم وتشجيع وإلهام المبدعين والمتميزين من أبناء الوطن، بل انها قد تجاوزت كل الحدود المناطقية والاعتبارية لتصبح جائزة مرموقة تُعلق على صدر الوطن، كل الوطن. 47 مبدعاً ومبدعة سعودية في مختلف الأعمار والمجالات والقطاعات، التقطوا صوراً تذكارية مع فيصل بن خالد، الأمير الإنسان، ولكنهم قبل ذلك حفروا أسماءهم الرائعة في سجل هذه الجائزة الفريدة. جائزة أبها، لم تعد مجرد ميدالية تُعلق على صدر فتى أو فتاة، بل انها أصبحت تظاهرة حضارية شاملة تفخر بها عسير، بل نفخر بها جميعاً. وكم كانت لفتة عبقرية وذكية من قبل المنظمين لهذه الجائزة المميزة، حيث اختيرت الطالبة ولاء خير الله لتلقي كلمة الفائزين، اعترافاً وتقديراً ودعماً للفتاة السعودية. فشكراً للأمير فيصل بن خالد وللدكتور حسن الشوكاني وللطالبة ولاء خير الله ولكل من ساهم في نجاح هذا الحدث الرائع. سألت الشاعر الاحسائي الشاب ناجي حرابة، الفائز بجائزة أبها للشعر، وقد همت الطائرة بمصافحة تراب أبها بعد عناق طويل مع الغيوم الحانية: هل كتبت قصيدة في أبها؟ أجاب، وطرفه يرمق غيمة لا تكاد تُفارقنا: لا، فأبها أجمل من كل القصائد.