رغم أننا نملك خمس حواس إلا أن عيوننا وحدها من تملك لغة خاصة بها.. لغة خاصة بالحب والسحر والخجل والغضب والسخرية والنظرة الكاذبة.. ومن يجيد قراءة العيون يمكنه تخمين أسرار القلوب وما تخفي الصدور دون الحاجة لسماع الكلمات المنطوقة. وليس أدل على هذه الحقيقة من ظهور دراسات وتقنيات تؤكد وجودها وإمكانية الاستفادة منها.. فهذه الأيام مثلا توجد تقنيات تعتمد على رصد حركة العين (لتحديد مستوى الكذب والصدق) أو توجية الأجهزة (للمقعدين والمشلولين) أو قياس مستوى الانتباه أو النعاس (لدى الطيارين أو سائقي الشاحنات)!! حتى أنت - في هذه اللحظة - تتحرك عيناك فوق أسطر المقال وتقفز قفزا فوق الكلمات.. وبين كل كلمة تتوقف لأجزاء من الثانية للتأمل والتفكر فيما تقرأ.. وحالتك هذه تختلف عن شخص يحمل الجريدة مثلا ولكنه يتصنع قراءتها، أو يسرح في مكان آخر رغم استمراره في قراءتها!! .. والفرق بين الحالتين الأخيرتين يذكرنا بحقيقة وجود فرق بين النظر والإبصار. فالنظر هو توجيه العين ناحية الشيء ودخول صورته الى الشبكية؛ أما الإبصار فهو عملية الإدراك التي تحدث داخل المخ للشيء المنظور.. فالعين قد تنظر ولكن المخ قد يبصر وقد لا يبصر - إما لجموده أو انشغاله - بدليل قوله تعالى "وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون". وبناء على هذه الحقائق يمكنك تخمين ما يفكر فيه زميلك بالعمل من خلال مراقبة حركة عينيه والاتجاه الذي ترتاح إليه. فحين يسرح وينظر باتجاه الأعلى (ناحية اليسار) فإنه يستجلب غالبا صورة من الذاكرة.. كلحظة زفافه او تخرجه من الجامعة! وحين ينظر باتجاه الاعلى ناحية اليمين فإنه يُركب في ذهنه صورة بصرية.. كأن يخطط شقته الجديدة او يرسم الديكور! أما حين ينظر باتجاه اليسار فقط فإنه يحاول سماع شيء من الذاكرة.. كأن يتذكر أغنية أو محاضرة قديمة! وحين ينظر للأسفل جهة اليسار فإنه يجلب نصا من الذاكرة.. كأن يرتل سرا آيات من القرآن الكريم! .. وهذه كلها مجرد أمثلة على ارتباط حركة العين بما يحدث في الدماغ ويشغل تفكيرنا حتى أثناء النوم (حيث تستمر في الحركة اعتمادا على الأحداث التي نراها ونتفاعل معها في عالم الأحلام)!! .. واستمرار حركة العين - حتى أثناء النوم - يجعلها مثل قلوبنا لا تتوقف عن الحركة إلا لحظة الوفاة.. وهذه الحقيقة العجيبة تذكرنا بهارون الرشيد الذي دخلت عليه امرأة من البرامكة وقالت له: أقر الله عينك واسكن قلبك وافرحك بما اعطاك حكمت فقسطت.. وبعد ذهابها قال لأصحابه: هل تعلمون أنها دعت علينا ولم تدع لنا؟ قالوا: وكيف ذلك؟ قال: أما قولها أقر الله عينيك، فإنها تعني الاستقرار، والعين إذا استقرت مات صاحبها، وقولها أفرحك بما آتاك أخذته من قوله تعالى "حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة"، وأما قولها أتم سعدك، أخذته من قول الشاعر: إذا تم شيء بدأ نقصه.. ترقب زوالاً إذا قيل تم.. وأما قولها حكمت فقسطت، فأخذته من قوله تعالى "وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً"!! .. إذا ياعزيزي.. خذها نصيحة ولا تدع على أحبابك ب"أقر الله عينك".