بمجرد قراءة السيرة الذاتية لستيف جوبز المدير التنفيذي السابق لشركة أبل، ستلمس كيف كانت المحاولات جادة للتخلص من بعض أساسيات التقنية في ذلك الوقت، فأبل تخلصت مبكراً من أجهزة قراءة الأقراص المغناطيسية (فلوبي ديسك)، وفي مؤتمرها الأخير الذي عقد الشهر الماضي أعلنت تخليها في أجهزتها الجديدة عن محرك الأقراص الضوئية (سي دي)، وهي أيضاً قدمت خدمات التخزين السحابي عبر شبكتها (أي كلاود)، وهي بذلك تستشرف تحولات التقنية الجديدة إلى الإنترنت كوسيلة تعتمد عليها كلياً، إضافة إلى أنها تصنع هواتف ذكية (آيفون)، وأجهزة حاسوب لوحية (آيباد) تستقطع بها أكبر حصة من السوق. وعلى غرار محاولات شركة أبل ها هي شركة غوغل تحاول جاهدة - وربما تفوقت على أبل في هذا الشأن بعض الشيء - في تقديم خدمات تعتمد فيها على الإنترنت كلياً، فلديها شبكة سحابية، وبريد إلكتروني بدأ يستقطع حصة أكبر من السوق، وبرمجيات للمكتب مثل معالج الكلمات والجداول الإلكترونية والعروض المرئية تستخدم من خلال الإنترنت وعن طريق أي جهاز، بل وتخزن عمل المستخدم على الإنترنت مباشرة، وإضافة إلى ذلك تمتلك غوغل شركة موتورولا لتصنيع الهواتف النقالة، لتعادل بذلك شركة أبل التي تصنع هواتفها بنفسها، وأيضاً لديها نظام تشغيل للهواتف النقالة وأجهزة الحاسوب اللوحية (آندرويد) يستقطع أكبر حصة من السوق. أما مايكروسوفت فدخلت هذا المجال متأخرة، إلا أنها تسارع الخطى للحاق بركب أبل وغوغل، فبمثل الأسلوب الذي استطاعت فيه مايكروسوفت في القرن الماضي من اللحاق بشركة أبل مستفيدة من مشاكل الشركة الداخلية وتقديم برنامجها لتشغيل الحاسبات بالواجهات الرسومية (ويندوز)، نشاهدها وبالرغم من محاولاتها المتعثرة تحاول تقديم نظام تشغيل للهواتف النقالة، واستطاعت مؤخراً تحقيق ذلك والتحالف مع شركات لتصنيع الهواتف النقالة لتقديم نظامها الوليد ويندوز 8 عبرها، وقدمت هواتف وإن كانت الأنباء تشير إلى بعض المشاكل التقنية إلا أن خطواتها تتسارع في هذا المجال، إضافة إلى صناعتها للحاسوب اللوحي سيرفس لتنافس قرينتيها أبل وغوغل، أيضاً قدمت مايكروسوفت مؤخراً تطبيقها الشهير للمكتب (أوفيس) إصدارة 2013 عبر الإنترنت، وقد جربتها شخصياً وهي تماثل قرينتها المكتبية. هذه الخدمات التي تقدمها أكبر ثلاث شركات تقنية في العالم (أبل، غوغل، مايكروسوفت) تعتمد وبشكل كامل على عنصرين رئيسين هما الإنترنت والاتصالات، واختلال أحد العنصرين يؤدي إلى خلل في الخدمات التي تقدمها، فضعف شبكة الاتصالات يؤدي إلى عدم المقدرة على تصفح الإنترنت، فماذا ستقدم هذه الشركات للتغلب على هذه الإشكالية؟. غوغل بدأت تستشرف المستقبل في هذه الناحية، فهي السباقة في تقديم خدمات الإنترنت في الولاياتالمتحدةالأمريكية بسرعة 1 غيغابايت وبسعر يقترب من السبعين دولاراً، وعلاوة على ذلك قدمت للسوق وعلى نطاق محدود أجهزة حواسيب (نوتبوك) تعتمد على الإنترنت بشكل كامل بداً بنظام تشغيل سحابي تطلق عليه (كروم أو إس) يعتمد بشكل كامل على تطبيقات تشغل من خلال الإنترنت، وانتهاءً بتطبيقات للمكتب تعمل من خلال الإنترنت، وهي بذلك تسبق مثيلاتها في استشراف المستقبل. هذا الحاسوب السحابي لن يحقق الفائدة الكاملة منه من دون وجود ارتباط دائم بالإنترنت، وسرعات اتصال عالية، والبقاء تحت ظل شركات الاتصالات المتخصصة لن يخدم الشركات التقنية في المرحلة القادمة، فهل نرى دخولا قويا من شركات التقنية في مجال تقديم خدمات الاتصالات؟. تشير التقارير مؤخراً إلى تنامي الاجتماعات بين شركة Dish الأمريكية التي تقدم خدمات التلفزة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وغوغل لدخول الأخيرة في سوق تقديم خدمات الاتصالات، وتشير مصادر مجلة الوول ستريت الخاصة إلى نية غوغل في الدخول كمزود خدمة للاتصالات المتنقلة، فهل تتسارع خطوات غوغل للتوغل في هذا السوق؟، قادم الأيام قد تثبت أو تنفي ذلك خصوصاً وأن هناك تكتم عال من قبل غوغل وشركة Dish حول هذه الأنباء. ومن الممكن أن نرى في الفترة القادمة تحالفات كبيرة بين شركات التقنية وشركات تقديم خدمات الاتصالات، أو بالأحرى اندماجات للتحول الكامل إلى شركات لتقديم خدمات الاتصالات المتنقلة وتصنع في ذات الوقت الأجهزة والأنظمة التشغيلية والتطبيقات.