تسير القصص والحكايات والأمثال بين الشعوب كما يسير المسافرون الذين ينقلونها من بلدٍ لبلد ومن شعب إلى شعب فيما يُسمَّى (الفلكلور) الذي هو مأثور شعبي يعبر عن وجدان الجماعة.. وحين تنتقل الحكاية الشعبية أو المثل من بلد بعيد إلى آخر، فإنها سرعان ما تُبَدِّل ملابسها فتلبس ثياب الشعب الذي انتقلت إليه وتوطنت عنده.. حكاية (وقَّف مرزامه) والمشهورة في مأثورنا الشعبي، موجودة لدى كثير من الشعوب الأخرى، ولكن الفرنسيين يبدلون (المرزام) ب (المزمار) بينما يبدله أهل الصين ب (الابتسام) ولكن جوهر الحكاية واحد وإن اختلف الثوب، وسوف نوردها في مقال قادم إن شاء الله، فقوة دلالتها تغري بإعادتها.. أما قصة الرجل مع المرأة فليست بشهرة قصة (المرزام) ولكنها طريفة السرد مفيدة الدلالة، وكل شعب يرويها حسب ثقافته وعاداته.. تقول الحكاية: (وقع شاب في غرام بنت الجيران على رأسه، فتصبر حتى تعب ثم ذهب لأبيه المزواج الذي طلق كثيراً ولا يزال على ذمته ثلاث فقال: - أبي! أرجوك أخطب لي بنت جارنا (أبو علي)! فتبسم الأب وقال: - كنتُ أخاف أن تكره النساء والزواح بعدما رأيتَ حالي من زواج وطلاق! وشقاق وخصام! حتى إني طلّقتُ أمك نفسها! فقال الشاب: - كنتُ يا أبي ولكن هذه البنت شغفت قلبي وخطفت لبي!.. لن أعيش بدونها يا أبي!.. ضحك الأب وقال: - إلى هذه الدرجة؟ - وأكثر يا أبي.. لقد سحرتني! = بماذا؟! - بكل ما فيها.. برقتها وحلاوتها وبراءتها وجمالها وكمالها! - الله الله! كل هذه الصفات في امرأة؟ - وأكثر!.. لقد أخذت من البدر بهاءه ومن الورد عطره ومن هاروت سحره ومن النسيم رقته ومن الروض فتنته، ومن العسل حلاوته ومن الطفل براءته! - كل هذه الصفات في امرأة واحدة! لا تخليني أخطبها لنفسي! - أرجوك!.. لا تقتلني! ضحك الأب المجرب وقال للشاب: - وإذا لم أخطبها لك ولم تتزوجها؟! - أموت يا أبي! أموت!.. لن أعيش بدونها! ابتسم الأب بعمق.. وحقق رغبة الولد.. وتم الزواج والشاب من الفرح يكاد يطير! * * * وبعد فترة من الزواج جاء الشاب إلى أبيه شاكياً: - أبي لقد دوّختني هذه المرأة.!.. كنتُ ألومك على الطلاق! عذرتك! أفكر الآن في تطليقها! ابتسم الأب وقال: - خير يا طير!.. ألم تقل إنك لن تستطيع العيش بدونها؟ - بان لي أنني لن أستطيع العيش معها! - ألم تقل إن فيها من البدر بهاءه ومن الورد عطره ومن هاروت سحره ومن العسل حلاوته ومن الطفل براءته؟! - بلى! هذا قبل الزواج! بعده بفترة بان لي بما لا يدع مجالاً للشك أن فيها من الصخر قساوته ومن النمر شراسته ومن الريح تقلبها.. ما عرفت لها.. سلبت حريتي ومالي! أخذتها لتخدمني فصرت خادماً لها!.. أخذتها لتهدأ حياتي فأثارت الزوابع من حولي، ونكّدت عيشتي! - أفا وأنا أبوك وين المراجل؟! - ضاعت!.. المشكلة أني كلما قررت تأديبها خرجت لي بوجه جديد.. تزينت وتعطرت ولبست وجه طفل برئ لا يستحق غير الحب!.. هنا أذوب أنا.. - ذب! - تعود تطلب وتطلب!.. - أرفض! - تصر بطريقة عجيبة.. ولا تعيد الطلب إلا في اللحظات الحميمة! وتأخذ مني وعد.. وأتحسَّف!.. وأحسَّ أنها صادرت حريتي ومالي!.. أبي خلصني منها أعطني حريتي أطلق يديَّا! - الحرية لا تُعْطى يابُني! الحرية تؤخذ!.. خلك رجل معها! - أنا رجل لكنها هي ما لها قاعدة! عجزت أفهمها عجزت! - هذي طبيعتها! أفهمها على أنك لا تفهمها! ما يصدر منها غصب عنها.. ألم تقرأ قول المتنبي: (إذا غدرت حسناءُ وفت بوعدها فمن عهدها أن لا يدوم لها عهدُ وإن عشِقت كانت أشدَّ صبابةً وإن فركت فاذهب فما فركُها قصدُ وإن حقدت لم يبق في قلبها رضىً وإن رضيت لم يبق في قلبها حقدُ كذلك أخلاق النساءِ وربما يضل بها الهادي ويخفى بها الرَّشْدُ)! - لو غدرت طلّقتها بدون ما أشوارك مع الاحترام لك يا أبوي!! ما وصلت للغدر لكنها أنانية.. وطاغية! - ما أبقيت لي من احترام يا ولد!.. والمتنبي ما يقصد بالغدر ما دار في بالك السخيف! يقصد أنها قد تعاهد من تحبه على الزواج ثم يتقدم لها ذو جاه ومال فتغدر بعهدها لحبيبها وتتزوج المال والجاه وتدوس على قلبها! - آسف يا أبي وأقدّم لك كل الاحترام!.. - لا!.. يبدو أن هذه المرأة أفقدتك الاتزان! - هذا الصحيح! - هل ينطبق عليك المثل (من أخذ عشق طلّق عياف)؟ - الظاهر!.. خلّني أطلّق واستريح وأسير على نهجك الكريم!.. أطلق واتزوج! - أردى لك!! تحسب أن الحب يجي أكثر من مرة؟!.. أنت تحبها أو لا؟! - أحبها وأكره تصرفاتها! - خلها تحبك وبعدها كله يهون! - إلاّ أتزوج عليها مثل حضرتك وأخليها تتأدب! - تكون دخلت عش الدبابير!.. لا تظن يا وليد إني في عيشة راضية مع كثرة الزواج والطلاق هذا من حرّ ما أوجس! ما لقيت اللي أحبها.. الله يرحم حميدان الشويعر: (وأنا حرثْ يابوك بين العذارى وصرت بينهن مثل بايعٍ وسايم ذي ما تبيني وذي ما أبيها وذي ما توافق وذي ما تلايم)!