كلنا سمعنا أو قرأنا يوم الأربعاء الماضي بأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد فاز لفترة ثانية في انتخابات الرئاسة. وهذا صحيح وغير صحيح في نفس الوقت. فالانتخابات في الولاياتالمتحدة قد تكون أكثر انتخابات ديمقراطية معقدة في العالم. فحتى تحديد موعد الانتخاب فيه تورية. فالأمريكيون لا يقولون أن الانتخابات ستجري في 6 نوفمبر بل في أول يوم ثلاثاء يعقب أول اثنين في شهر نوفمبر. وفي هذا الثلاثاء المشهود لا ينتخب الجمهور الرئيس وإنما مرشحو المجمع أو الهيئة الانتخابية في كل ولاية. فإذا حصل مرشحو الحزب الديمقراطي مثلاً على 51% من مجموع مقاعد الهيئة الانتخابية في أية ولاية فإنهم يعتبرون الممثلين وحدهم عن تلك الولاية في الهيئة الانتخابية. أما ال49% التي حصل عليها الجمهوريون فلا قيمة لها بتاتاً. وهكذا فإن الهيئة الانتخابية هي التي سوف تدلي بأصواتها لانتخاب الرئيس في أول يوم اثنين يعقب ثاني يوم أربعاء في ديسمبر- وفقاً للقراءة الأمريكية - أي في 17 ديسمبر. وتتألف الهيئة الانتخابية من 538 ممثلا للشعب. ولذلك فإن الناخبين في 6 نوفمبر الماضي عندما صوتوا ل332 ديمقراطيا ليمثلهم في الهيئة الانتخابية فإن هؤلاء الذين تبلغ نسبتهم 62% من مجموع هيئة الناخبين سوف يصوتون في 17 ديسمبر القادم لمرشح حزبهم أوباما وينتخبوه رئيسا لأمريكا. فالمجمع الانتخابي هو فلتر يشبه، مع الفارق، فلتر العسكر في تركيا أو ولاية الفقيه في إيران. طبعاً هذا النظام الانتخابي الرئاسي غير المباشر ليس هو الأمر الوحيد الذي تنفرد به الولاياتالمتحدة. فهي أيضاً لديها مشاكلها الاقتصادية والأمنية الناجمة عن موقعها المتميز في العالم والتي قل أن تجد لها مثيلا في أي بلد آخر. فنحن مثلما نعرف فإن أمريكا لا تنفرد بامتلاكها لأضخم اقتصاد في العالم- فقريباً سوف تصبح أكبر بلد منتج للنفط - وإنما باعتبارها أيضاً أقوى شرطي وعسكري على وجه المعمورة. فإذا أضفنا إلى ذلك مكانتها التقنية والعلمية والثقافية المتقدمة فنحن أمام بلد ليس له شبيه على الإطلاق. إذاً فهذا الجبروت والقوة التي تتمتع بها الولاياتالمتحدة ربما يجعل من الصعب على أي بلد في العالم أن يقنع بمفرده المسؤولين في واشنطن على اتخاذ قرارات اقتصادية صعبة لا يرضون عنها حتى وإن كانت تصب في مصلحتهم. فالولاياتالمتحدة من أكبر بلدان العالم استدانة من الخارج. ولكن نتيجة لموقعها المتميز وعلى رأسه مكانة الدولار في النظام المالي العالمي فإنه لا أحد حتى الآن يحاسب أمريكا على سياستها المالية والنقدية التوسعية رغم كل ديونها. من ناحية أخرى فإنه لا يمكن للولايات المتحدة التهرب من استحقاقاتها إلى ما لا نهاية. فهي مثلها مثل غيرها يفترض أن تستهلك بقدر ما تنتج وأن تستورد من العالم بمقدار ما تصدره له. ولهذا فإنه قد يكون من المجدي لدائني الولاياتالمتحدة، والحالة تلك، أن يشكلوا ناديا خاصا بهم للتفاوض مع واشنطن حول السياسات الاقتصادية التي يفترض عليها أتباعها حتى تتمكن من سداد ما عليها لهم. أو على الأقل التخفيض من سقف مديونيتها حتى يتمكن الدولار من استعادة عافيته ولعب الدور الذي نتمناه له.