الأصل أن الإنسان عزيز نفس لايقبل أن يهينها لأي سبب إلا ماكان قاهرا من فقر مدقع وجوع مهلك وعري فاضح. هذا هو الأصل، ومن هذا المنطلق ليس من اللائق أبدا لادينا ولا عرفا انسانيا أن يتهم من يتسول الناس في الأماكن العامة -والتسول ذل- بأنه كاذب وأنه مخادع يريد كسب المال من غير ماتعب، بل ينبغي أن لايؤذي ذلك المتسول بأي وسيلة وأعظمها جرح كرامته بكلمة نابية أو استهزاء مالم يتبين أنه على خلاف مايظهر، خصوصا أن المتسول لايقوم بأخذ المال عنوة ممن يرفض إعطاءه. إن المتسول إنسان لاينبغي أن تهدر كرامته إلا بحق، لذا وجب التثبت قبل الحكم عليه بداءة سواء من قبل الأفراد أومن قبل أي جهة رسمية معنية بهذا الشأن. نعم، حتى الجهات الرسمية ليس من حقها قبل أن يعرف حال المتسول أن تعتدي عليه -عن طريق أفرادها- بلفظ جارح أو تصرف مهين كسحبه من أمام الناس بطريقة فاضحة ومخجلة لأنه حتى الساعة -إن لم يكن من قبل لتلك الجهات معروف وله سوابق- يعد بريئا وبالتالي فلا الشرع يجيز إذلاله ولا الضمير الإنساني، بل ينبغي أن يسأل بكل أدب واحترام من قبل الجهات المختصة أن يتفضل بالذهاب معهم وياليت أن تكون وسيلة النقل الرسمية لائقة لاتوحي بأن المودع بها من أرباب السوابق والمتهمين، و هناك في مقر الجهة الرسمية يتم التحقق من صحة دعوى المتسول بالحاجة، أنا لا أعلم حقيقة هل هناك تنسيق بهذا الخصوص بين مكافحة التسول كجهة رسمية تعني بمتابعة أمثال أولئك والجمعيات الخيرية المحلية كجهة رسمية أخرى تساهم في سد احتياجات أو بعض احتياجات تلك الفئة والمحتاجة منهم فعلا، وهل هناك تبادل معلومات عن طريق وسائل الاتصال الحديثة «الإنترنت» حتى يتسنى إيجاد الحلول بالصورة الصحيحة وبطرق سريعة؟، أم أن الأمر مقصور على اتصال بين أفراد من جهة يرد عليها من الجانب الآخر بكلام لايحمل صفة الجدية كونه لايورد بالأرقام!، وأعني هنا أن الإستقصاء عن حال أحد المتسولين من قبل مكافحة التسول هل يكون بمجرد سؤال أحد أفرادها بالهاتف ليرد عليه أحد موظفي الجهة الخيرية بأن المتسول المذكور هو من ضمن رعاياهم مما يجعل المتسول يعتبر غير ذي حاجة حقيقية، على حين أنه قد يكون كذلك فيما لو أضاف المجيب في الجمعية الخيرية أرقاما تبين مقدار مايدفع للمتسول علي مدار السنة!، أو ليس من الجائز أن مايعطى لايكاد يكفيه وأهله، فهو بالتالي يعد معوزا ومحتاجا حقا لا ادعاء! إننا لا ينبغي أن نأخذ البائس بجريرة المدعي فلكل مقام مقال، كما أننا لا ينبغي أن نسيء لأفراد أذلتهم الحاجة فجالوا في الطرقات يبحثون عن أيد حانية وقلوب طيبة تمسح عنهم آثار الحرمان وتخفف عنهم مشقة العيش، لمجرد أننا لانريد أحدا أن يرى أن بيننا أمثال أولئك. ! أفيقوا أيها الأكارم، فكل دول العالم بما فيها من يفوقنا قدرة مادية تحتضن أراضيهم بؤساء أشد مايكون البؤس فلم لم يعمد هؤلاء إلى إخماد أصوات أولئك وشل أياديهم، أم انه الكبر الذي لا أدري حتى الساعة لم هو «معشعش» في نفوسنا بلا أدنى مبرر!