في كتابه (مدونات حول السينماتوغراف) يضع المخرج الفرنسي الراحل روبير بريسون تصورات للسينما تتجاوز كونها مجرد شرائط مصورة تتوالى فيها أحداث ولكنها فن أكبر من لوحة وأعمق من قصيدة.. حالة فنية تعبر عن معنى لا يمكن التعبير عنه بوسيلة فنية أخرى. وفكرة بريسون عن السينماتوغراف - الاسم الأول للسينما - أنها لا تشبه فنا آخر ولا يغني عنها فن آخر وأن الفيلم أهم من المخرج ومن الأفكار "لا مخرج.. انس أنك تعد فيلما.. الأفكار: إخفاؤها برهافة تشي أن العثور عليها ممكن. أهم الأفكار أكثرها احتجاباً". وفي فصل عنوانه (في التلقائية) يوصي بأن يكون الفيلم - وهو بالأساس صنعة - روحاً وقلباً وأن يكون قادرا على القيام "برحلة استكشاف فوق كوكب غير معروف". والفن السابع بالنسبة له عمل صارم أو بنص كلامه "فن عسكري. أُحضر فيلماً كما لو كان معركة" ويوضح الجملة السابقة قائلاً: إنه أثناء الليل ظلت تلاحقه عبارة نابليون "خططي العسكرية أضعها وطيف جنودي النائمين لا يفارقني". وبريسون الذي ولد عام 1907 أديب وموسيقي ورسام يطلق عليه البعض "فيلسوف السينما" وله 13 فيلماً أولها (ملائكة الخطيئة) عام 1943 وكتب حواره المسرحي والروائي الفرنسي جان جيرودو وفي عام 1945 أخرج فيلمه الثاني (سيدات غابة بولونيا) وكتب حواره الكاتب والرسام والسينمائي الفرنسي جان كوكتو. واشتهر بريسون بأسلوبه المتقشف وفي مدوناته يكتب "عندما يكون كمان واحد كافيا فلا داعي لاستخدام اثنين". ويريد بريسون تحرير فن السينما من السلطة السابقة للمسرح ويقول "لا شيء أكثر افتقارا إلى الأناقة وأكثر افتقارا إلى الفاعلية من فن صيغ في شكل آخر. ما من رجاء من سينما تستوطن في المسرح". ويضيف "حلمت أن فيلمي يتكون تدريجياً بالنظر إليه كلوحة رسام دوما ندية... الصور والأصوات كناس تعارفوا على الطريق فودوا افتراقهم مستحيلاً". والكتاب الذي ترجمه اللبنانيان محمود أمهز وفادي اسطفان يقع في 107 صفحات من القطع المتوسط وأصدرته في بيروت (دار الجديد) التي سجلت على الغلاف الأخير أن توقيعات وخواطر بريسون ترجمت إلى 22 لغة تنضم إليها اليوم اللغة العربية.