خلال الأسابيع الماضية تكشفت مصادر ضعف إضافية للاقتصاد العالمي أهمها تثاقل خطى الاقتصاد الصيني وانحسار معدلات نموه والتي باتت عند معدلات قدرها 7.5% إلى 7.8%، فضلا عن تراجع معدلات نمو الهند والبرازيل إلى حوالي 6% و1.5% على التوالي وتراجع معدلات نمو أمريكا اللاتينية، فضلا عن انكماش نمو التجارة الدولية في الوقت الذي شلت الإضرابات العمالية اقتصاد جنوب أفريقيا وانحسر معدل النمو في كل من اليابان وكوريا الجنوبية. وقال التقرير الشهري للأسواق الخليجية الصادر عن مؤسسة الخليج للاستثمار إنه رغم بارقة الأمل التي تمخضت عن سياسات التيسير النقدي للبنك المركزي الأمريكي، فضلا عن التوجه الذي أعلنه المركزي الأوروبي لشراء غير محدد لسندات الدول الأوروبية الضعيفة، إضافة إلى إصدار سندات موحدة وإخضاع البنوك التجارية الأوروبية للرقابة المباشرة للمركزي الأوروبي، إلا أن الحذر والترقب سادا الأسواق في أعقاب تواتر ورود أنباء عن تفاقم مديونية أسبانيا والبرتغال والعمل بالمزيد من برامج التقشف التي أفرزت ردود فعل جماهيرية شملت المظاهرات والتصريحات السياسية المناوئة. النمو الاقتصادي ويتوقع التقرير أن يتراوح معدل النمو الاقتصادي الدولي ما بين 2.5% إلى 3% مع بلوغه في حدود 2% في الولاياتالمتحدة وفي حدود أقل من نصف في المائة في منطقة اليورو مع ملاحظة أن هناك تخوفا من أن تؤدي الجرعات النقدية التحفيزية المتتالية في أوروبا وأميركا واليابان إلى ارتفاع توقعات التضخم السلعي في الأشهر المقبلة. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية واحتمال فوز أعضاء جمهوريين جدد في كل من الكونغرس ومجلس النواب تلوح في الأفق احتمالية تراجع الإنفاق الحكومي الأمريكي بمعدل 4% وفق القوانين السائدة وهو ما قد ينذر بالمزيد من تخفيض الوظائف الحكومية الأمريكية والتي خسرت ما يقارب 600 ألف وظيفة منذ بداية الأزمة المالية العالمية عام 2008، وتسارعت وتيرة الصادرات لا سيما النفط الخام والغاز الطبيعي من دول مجلس التعاون سعيا منها لمواجهة الطلب في أعقاب تراخي إنتاج بعض دول الأوبك وخارجها، فقد بلغ متوسط إنتاج السعودية حوالي 9.5 ملايين برميل يوميا صدرت نحو ثمانين في المائة منه إلى الأسواق الدولية وهو ما يشكل زيادة نسبتها عشرة في المائة على معدلات العام المنصرم. ارتفاع أعداد المنشآت الصغيرة الخليجية إلى 9 آلاف منشأة باستثمارات بلغت 4.9 مليارات دولار حجم الصادرات وتمخض عن زيادة حجم الصادرات بالقياس إلى الواردات أن تزايد حجم الفائض في الميزان التجاري والذي يتوقع أن يصل إلى 165 مليار دولار عام 2012 وهو ما يمثل نموا من 25% من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع للمملكة هذا العام. كما يتوقع أن يناهز الفائض التجاري الكويتي 75 مليار دولار أو ما يزيد على 40% من الناتج المتوقع وينتظر أن تسجل قطر فائضا في الميزان التجاري يناهز 70 مليار دولار، والإمارات حوالي 50 ملياردولار، كما يتوقع أن يسجل الميزان التجاري لكل من عمان والبحرين فائضا قدره 15 مليارا و14 مليار دولار على التوالي، وستمكن هذه الفوائض دول المجلس من تحقيق زيادات في الاحتياطيات الأجنبية والتي تتوقع مؤسسة الخليج للاستثمار أن تناهز التريليون دولار مع نهاية العام الحالي. ومع استمرار تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي العالمي واستمرار المخاطر المنبثقة عن أزمة منطقة اليورو ازداد إدراك قادة الرأي في دول مجلس التعاون بأهمية المضي قدما في الإصلاحات الاقتصادية الهادفة إلى تعزيز وتيرة النمو والإسراع في خلق الوظائف التي تناسب العمالة الوطنية، إلى جانب الإدراك المتزايد لأهمية التكامل الاقتصادي والمالي بين دول مجلس التعاون بالعمل على وضع اتفاقية السوق المشتركة موضع التنفيذ الفعلي من ناحية والسعي نحو تحقيق تكامل الأسواق المالية الخليجية وتحقيق الإدراج المتعدد للشركات الخليجية، فضلا عن تنسيق عمل المؤسسات المالية والاقتصادية المختصة وخلق شراكة حقيقية فيما بين القطاع العام والخاص. شراكات الخاص والعام ولعل أحدث الشواهد على ذلك هو إطلاق «سلسلة القرارات الكبيرة» في الكويت متمثلة في إنشاء هيئة مستقلة لمشروع مدينة الحرير ومعالجة أزمة العقار باستثمار مقرات للحكومة عبر مساحات من الأبراج المملوكة من القطاع الخاص، وتفعيل المحفظة الوطنية لاقتناص الفرص المجدية في السوق المالية وتفعيل آليات التمويل لا سيما للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، والعمل الحثيث على الإسراع في تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية، كما أسست السعودية صندوقاً لرأس المال الجريء بقيمة 500 مليون دولار يختص بالاستثمار في التقنيات الجديدة والواعدة. كما تنامى اهتمام دول المجلس بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة على اعتبار أنها تمثل ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي ولتوظيف العمالة الوطنية، إذ تقدر أعداد المنشآت الصغيرة والمتوسطة في دول المجلس بنحو 9000 منشأة ويبلغ إجمالي الاستثمارات فيها نحو 4.9 مليارات دولار وتوظف ما يزيد على 350 ألف موظف. ويتركز حوالي نصف عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الإمارات بواقع 4400 مؤسسة تبلغ استثماراتها نحو 1.4 مليار دولار، تليها السعودية والتي تتواجد فيها نحو 2400 مؤسسة باستثمارات توازي 2.3 مليار دولار. إلى ذلك تزايد حجم القروض للقطاعات الإنتاجية في الاقتصاد الكويتي مع استمرار الزخم القوي للقروض الشخصية بمعدل 12% بالقياس إلى مستواها قبل عام من شهر أغسطس، وأما في السعودية فقد ارتفع معدل القروض إلى الودائع لأعلى مستويات له منذ عامين. وكلًا بكل فان المؤشرات الخاصة بالبنوك الخليجية تشير إلى استمرار اتجاهها نحو زيادة التسهيلات الائتمانية للقطاع الخاص مما يساعد على زيادة إسهامها في مسيرة التنمية داخل دول المجلس. البتروكيماويات تتأثر سلباً في الطلب على النفط من قبل الاقتصاديات الناشئة إلى ذلك فإن هناك اتجاها واضحا لزيادة الاستثمارات الأجنبية لا سيما في دبي، حيث أسهمت 113 شركة عالمية في شركات إستراتيجية قدرت قيمتها بحوالي 16.5 مليار درهم خلال النصف الأول من عام 2012 وهو ما يمثل زيادة قدرها 7% على مستوى التدفقات الاستثمارية الأجنبية للعام الماضي. البورصات الخليجية سارت أسواق مجلس التعاون الخليجي عموماً في اتجاه معاكس لاتجاه الأسواق العالمية خلال الشهر، حيث انخفض مؤشر ستاندارد آند بورز للأسهم الخليجية بواقع 1.29% للشهر كله متأثراً على نحو رئيسي بالتراجع الكبير في السعودية، أما الكويت فكانت الأفضل أداءً مدعومة بالتحسينات الجوهرية في نشاط التداول الكلي بعدما أعلنت الحكومة إجراءات لتعزيز النشاط الاقتصادي، وانخفض سعر مزيج برنت خام النفط القياسي الأوروبي بواقع 1.46%، فيما تراجع سعر خام غرب تكساس الوسيط بواقع 4.72% متأثرين بتوقعات بطلب عالمي أضعف. إشادة بتأسيس السعودية صندوقاً لرأس المال الجريء بقيمة 500 مليون دولار لدعم الاستثمار في التقنيات الجديدة وأدى ضعف أسعار النفط المقترن بانعدام التفاؤل بشأن نتائج الربع الثالث الى هبوط مؤشر «تداول» الذي أنهى تداولات شهر سبتمبر على تراجع قدره 4.19%، وانخفضت القطاعات الرئيسية بما فيها قطاعا البنوك والبتروكيماويات اللذان هبطا بنسبة 5.14% و3.85% على التوالي. بالمقابل حقق المؤشر الوزني لسوق الكويت للأوراق المالية مكاسب كبيرة بلغت 4.45% في سبتمبر ليضع حداً لسلسلة خسائره المتواصلة خلال العام وليكون الأفضل أداءً في دول مجلس التعاون الخليجي. وتحسن أداء أسهم الشركات القيادية حيث ارتفع المؤشر الجديد «كويت 15» بواقع 4.91% بعدما دعا أمير البلاد إلى اتخاذ خطوات فورية لدعم الاقتصاد الوطني، فيما أطلقت الحكومة برنامجاً لدعم البورصة، أما في الإمارات فحققت بورصة أبو ظبي وسوق دبي المالي مكاسب بلغت 1.71% و2.00% على التوالي. ونتج الأداء الإيجابي لبورصة أبوظبي بشكل رئيسي عن صعود أسهم قطاع العقار والبنوك مدعومة بتحسين أسس هذا القطاع، وفي دبي أنهى القطاع المالي وقطاع الخدمات الشهر على صعود بلغت نسبته 6.39% و4.92% على الترتيب. وفي قطر سجل مؤشر البورصة ارتفاعا طفيفا بلغ 0.31% للشهر كله، وكان قطاع الصناعة الأفضل أداءً بتحقيقه مكاسب جديدة قدرها 0.95% فيما ارتفع قطاع الخدمات بواقع 0.32%، وتخلف أداء السوق القطري عن أسواق المنطقة مجتمعة منذ بداية العام بتسجيله انخفاضا قدره 3.06% مقارنة مع ارتفاع قدره 3.34% لمؤشر ستاندارد آند بورز للأسهم الخليجية. أما في سلطنة عُمان فقد سجلت السوق المالية ارتفاعاً لم يتجاوز 0.99%، وتأثر أداء السوق العمانية بالقطاع المالي الذي انخفض بواقع 1.47% خلال الشهر، بالمقابل صعد قطاعا الصناعة والخدمات بواقع 3.67% و3.93% على الترتيب ليدعما الأداء الكلي للمؤشر. وفي البحرين ظل مؤشر سوق الأوراق المالية من دون تغيير تقريبا بتسجيله ارتفاعاً طفيفاً جداً لم يتجاوز نسبة 0.09%، وكان قطاع الصناعة الوحيد بين القطاعات الرئيسية من حيث التأثير الإيجابي الأكبر على المؤشر؛ حيث صعد بواقع 4.31%، بالمقابل واصل قطاعا الاستثمار والبنوك التراجع ليهبطا بالمؤشر إلى مستوى أدنى. وتجاهلت أسواق الأسهم الخليجية على نطاق واسع حالة التفاؤل التي سادت الأسواق العالمية على خلفية برنامج الولاياتالمتحدة لإعادة شراء الأصول، وهو التجاهل الذي نتج إلى حد كبير عن بواعث القلق بشأن الركود في الصين وأزمة الديون الأوروبية. البنوك ومن المرجح أن تبقى البنوك في الواجهة في ظل استمرار حجم الأصول في الازدياد في السعودية وقطر، وستظل البتروكيماويات تتأثر سلباً بالعلاقات غير المشجعة في الطلب على النفط من قبل الاقتصاديات الناشئة وضعف التوقعات بشأن نتائج الربع الثالث. ففي دولة الإمارات العربية المتحدة سيعزز التحسن في قطاع العقار من أداء السوق في ظل استمرار ظهور علامات التحسن في هذا القطاع، وفي دولة الكويت يرجح أن تعزز خطط الحكومة لدعم سوق الكويت للأوراق المالية المؤشر المحلي بشكل مستمر في الشهر المقبل عبر الشركات القيادية. وقال تقرير الخليج للاستثمار «لعل أهم ما ميز شهر سبتمبر هو تبني البنوك المركزية عبر العالم سياسات نقدية توسعية، فقد بدأ سبتمبر بإعلان مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن خطط لشراء السندات المدعومة برهن عقاري بقيمة 40 مليار دولار أمريكي شهريا. ومدد المجلس أيضا حتى عام 2015 فترة أسعار الفائدة المنخفضة بصفة استثنائية على الأموال الفيدرالية. من جانبه أعلن البنك المركزي الأوروبي برنامجه لشراء السندات بهدف الحد من تداعيات أزمة ديون منطقة اليورو. وبموجب هذا البرنامج يلتزم البنك المركزي الأوروبي بشراء كميات غير محددة من الدين يصل أجل استحقاقها إلى ثلاثة أعوام وفق شروط اقتصادية صارمة، بدوره خفف بنك اليابان من سياسته النقدية من خلال دعم عمليات شراء الأصول بواقع ضعف الكمية المعتادة. الأسواق الإقليمية وزاد البنك المركزي الياباني من حجم برنامجه لشراء الأصول والقروض بواقع 10 تريليونات ين (127 مليار دولار) إلى 80 تريليون ين. وانحصرت حركة التداول في الأسواق الإقليمية في نطاق ضيق خلال شهر سبتمبر الذي أنهته على مكاسب معتدلة، فقد ارتفع مؤشر «إتش إس بي سي ناسداك دبي» للعائد على السندات والصكوك الخليجية التقليدية المقومة بالدولار الأمريكي على أساس شهري ليقفل على مستوى 153.73 نقطة أساس مقارنة مع 152.36 في الشهر السابق، فيما توسعت الهوامش بواقع 4 نقاط أساس لتحقق عائداً قدره 3.61%. كما ارتفع مؤشر «إتش إس بي سي ناسداك دبي» للعائد على الصكوك المقومة بالدولار الأمريكي على أساس شهري من 142.96 إلى 143.69 نقطة أساس، بينما تراوح مؤشر العائد على السندات التقليدية بين مستوى 155 ومستوى 157. وكانت سوق الإصدارات الأولية هادئة بشكل غير متوقع خلال الشهر لكنه من المتوقع أن تستعيد هذه السوق قوتها خلال الفترة المقبلة حيث من المتوقع أن تتصدر البنوك قائمة مصدري السندات حتى تلبي في المقام الأول متطلبات إعادة التمويل والنمو. فقد أعلن بنك قطر الإسلامي لتوه عن اجتماع للمستثمرين فيما يوشك «بنك الخليج الأول» على دخول السوق، ومن المتوقع بوجه عام أن السوق الإقليمية ستحقق أداء جيداً على المديين المتوسط والطويل إذا ما أخذ في الاعتبار العوامل الرئيسية الداعمة وسيل الأخبار الإيجابية الواردة من الساحة الاقتصادية العالمية. ولا تزال أدوات الائتمان الخليجي تُتداول بأسعار رخيصة إذا ما قورن بفئتها ونوعيتها، كما أنها تستفيد من قاعدة مستثمرين داعمة حيث استأثر مستثمرو الشرق الأوسط على حوالي 50% من الحجم الإجمالي للإصدارات الخليجية منذ بداية العام الحالي، وفضل القائمون على التقرير الإصدارات ذات التصنيف الائتماني المرتفع ريثما تنحسر حالة عدم اليقين العالمية.