السماوات العربية مستباحة ومفتوحة لإسرائيل، تختار ما تريد ضربه وقصفه بخيارها الذاتي وقد لا تستشير الحليف الأكبر، لأنها على ثقة بأن ما تفعله يدخل في سياق أمنها الداخلي.. فقد لاحقت الفلسطينيين في تونس وقامت طائراتها برمي القنابل لتحدث مذبحة كبيرة، واستطاعت تدمير مفاعل تموز العراقي، وألحقت بآخر تحت الإنشاء في سوريا، وتدمير أسلحة سورية في البقاع اللبناني، وحامت طائراتها فوق قصر الأسد في اللاذقية في تحد أن أذرعتها تستطيع الوصول إلى رقاب الآخرين بدون موانع. آخر فعل تدمير مصنع سوداني للأسلحة، وكانت قد تعرضت إلى هجوم على مصنع للأدوية بطائرات أمريكية تحت ذريعة أنه يقوم بتصنيع مواد محرمة دولياً، وهو الذي لم يتحقق بعد التحريات على طبيعة منتجاته. هل كان المصنع يهرب ذخيرة وأسلحة لغزة، والسلفيين في سيناء وهل بُني بدعم من إيران، وأن السودان قنطرة عبور لأسلحة تأتي منها، وهذه المزاعم الإسرائيلية، تؤكد أنها تخترق معظم الأنظمة العربية، وتعرف ما يدور بدهاليزها وأسرارها وهذه الثغرات الإستراتيجية الخطيرة، أوضحت أن الأنظمة العربية هشة أمام أي خيار لإسرائيل، سواء الإقدام على عملية عسكرية، أو انكشاف أسرار هذه الدول، والغريب أن الاحتجاجات جاءت حيّية ومتواضعة تجاه إقدام إسرائيل انتهاك حرمة بلد عربي. صحيح أن البشير ليس على وفاق مع معظم الدول العربية، ويتعاطف مع إيران ونظام الأسد وتورط في أزمات داخلية في دارفور، والجنوب، ومع ذلك ليس من المنطقي أن تعتدي إسرائيل على بلد عربي، أياً كان نظامه، ولا نجد التضامن الذي يفرضه الواجب القومي، ويغلبه على الخلافات أياً كان مصدرها. فالمصنع، بصرف النظر عن غاياته، هو جزء من ممتلكات السودان وشعبه وإسرائيل حين أقدمت على تدميره، تعرف أن الصوت العربي سيبقى خافتاً، والدلائل كثيرة، أي أن غزة أصبحت ميدان تدريب لرمايتها لمختلف الأسلحة، والعرب، كالعادة، صامتون حتى بنقل شكاواهم لمجلس الأمن، لأن الخلافات العاصفة بينهم تجد فيها إسرائيل استثماراً حيوياً لاتخاذ أي طريق يعطيها فرصة تجاوز حدودهم واستباحتها. الموقف الدولي، ليس معنياً بالصراع العربي - الإسرائيلي، لأنه انتهى بفعل الأمر الواقع، أي أن القوة حسمت الأمور، ولم تعد الهيبة العربية العسكرية والسياسية ذات قيمة في التأثير على الموقف العالمي، لأن إسرائيل تنفرد بقوة عسكرية وغطاء سياسي ومعنوي، لأنها قاعدة تأثير حتى على من كانوا أصدقاء العرب، والأمر لا يتعلق بضربات وخسائر مادية وعسكرية، وإنما اختلال الميزان العربي داخلياً وخارجياً، وهو معيار تقاس به الوقائع القائمة، وعلى العكس لو تعرض عسكري أو مواطن إسرائيلي أو منشأة خارج أراضيها، فإن الصوت العالمي سيخرج بقوة، وهذا التأثير، وإن ظل منحازاً، إلا أنه يؤكد أن إسرائيل القوة المطلقة بالنفوذ على المساحة العربية كلها.