عبر الشوارع الضيقة التي تتوسط القرية وتتخلل بيوت الطين والمزارع تصل بك تلك الطرقات الى الوادي وتذهب بك إلى أطراف القرية حيث الأفق الواسع ثم تعود بطريقة متعرجة إلى السوق وفي جوانب تلك الطرقات تقبع في زوايا بيوت الطين وبين أشجار النخيل ذكريات جميلة ذهب بها الزمن وذهبت بها التغيرات الاجتماعية السريعة ومع صوت المحرج الذي مازال صداه يتردد في سوق الأغنام القديم يردد سعر المواشي المعروضة للبيع وينادي باسم يا فلان يقصد الشريطي نبيع نقول الله يبارك .. هذه الجمل بعثت من ذاكرة الزمن الجميل ذكريات عيد الضحية حيث الصفاء والبساطة والتلاحم الاجتماعي بين الكبير والصغير والغني والفقير ومن تلك السنين التي كانت الأضحية شعيرة دينية لها مضمونها الديني والاجتماعي ومن تلك النقطة كانت هناك اهتمامات مبكرة بالضحية البعض يحددها مبكرا من بين اغنامه والآخر يقوم بالشراء والانتقاء ووضعها في حوش البيت قبل العيد بشهر ومع وجودها في البيت يحدث الاطفال حولها مايشبه المهرجان الطفولي كونها تمثل رمز للعيد وحولها تدور احاديث الصغار .. حمود يقول ابوي ماهوب شاري ثوب للعيد يقول هذا عيد لحم .. ومناحي يردد ضحيتنا اكبر من ضحيتكم .. ونوره تقول ان ابوي يعرف يذبح ضحيته وبيجي عندكم يذبح ضحيتكم وفي مكان آخر تدور احاديث بين الكبار حول وصية راشد وضحيته وعن اخبار السوق وما جاء فيه من الضأن ومن بين تلك الجمل تنهمر دموع تلك الطاعنة في السن وهي تتذكر امها ووصيتها عن ضحيتها من دراهم أجار البيت وقبل العيد بيومين يكون الجميع قد استعد للعيد وذبح الاضحية ويدور الحديث عن سكين الذبح وهل تم تجهيزها مع قربة الماء . وفي مكان ليس ببعيد البنات يضعن زود الحناء على رأس الاضحية احتفاء بها وتحديدها من بين المواشي الموجودة في حوش البيت . وبعد صلاة العيد ومع جمال اشراقته الممزوجة بالتهليل والتكبير يذهب كل الى بيته ليذبح الاضحية وسط ابتسامات الصغار ودعوتهم للأمساك بها وما يصاحب ذلك من تحرك للأضحية اثناء الذبح والمواقف الطريفة بعدها يبدأ مهرجان التواصل والتكافل الاجتماعي وابطاله الاطفال عندما يحمل كل منهم قطعة لحم يوصلها لبيت احد الاقارب او الجيران ويعود بأخرى من البيت الذي ذهب له وبعد التوزيع يتم إعداد الطبخات الجميلة ومنها الحميسة والحنيذ والمرق ومع تصاعد الروائح الزكية للطبخ يجتمع الاقارب والجيران للمعايدة وأكل طبخة العيد كم هو جميل ذلك الزمن ببساطته وصفاء نفوس اهله ومن العايدين وكل عام وانتم بخير.